أحد شعراء العصر الأموي اسمه هو محمد بن ظفر بن عمير بن أبي شمر بن الأسود بن عبد الله الكندي، ينتسب على قبيلة كندة وهي من اعرق القبائل اليمنية واشهرها والتي عرفت بسيادتها، ولد بوادي دوعن في حضر موت.

يرجع المؤرخون لقب المقنع الذي عرف به لأن القناع كان من صفات الرؤساء وكان المقنع الكندي يعرف بمكانته ومنزلته الرفيعة داخل عشيرته كما قال الجاحظ، وقال التبريزي في تفسيره للقب أن المقنع هو اللابس لسلاحه، وكل من غطى رأسه فهو مقنع، كما قيل أنه كان شديد الجمال فكان يستر وجهه مخافة العين.

إعداد - مي كمال الدين




عرف الكندي بنسبه لعائلة عريقة فكان جده عمير سيد كندة، وورث ابنه ظفر الرئاسة عنه، وقد نشأ شاعرنا في وسط هذا وعرف بالإنفاق وحب العطاء فانفق ما تركه له والده حتى أصبح مديوناً، وجاءت إحدى قصائده "الدالية" معبرة عن حاله بعد استدانته من أبناء عمه، وتعد هذه القصيدة من أطول القصائد التي كتبها، واشهرها، وفي هذه القصيدة قام بالرد على أقاربه بعدما عاتبوه على كثرة إنفاقه والاستدانة منهم، فهو الكريم الذي لا يرد سائل، فدافع عن نفسه في هذه القصيدة وقال فيها:



يُعاتِبُني في الدينِ قَومي iiوَإِنَّما
دُيونيَ في أَشياءَ تُكسِبُهُم حَمدا
أَلَم يَرَ قَومي كَيفَ أوسِرَ مَرَّة
وَأُعسِرُ حَتّى تَبلُغَ العُسرَةُ الجَهدا
فَما زادَني الإِقتارُ مِنهُم iiتَقَرُّباً
وَلا زادَني فَضلُ الغِنى مِنهُم بُعدا
أَسُدُّ بِهِ ما قَد أَخَلّوا وَضَيَّعوا
ثُغورَ حُقوقٍ ما أَطاقوا لَها iiسَدّا
وَفي جَفنَةٍ ما يُغلَق البابُ iiدونها
مُكلَّلةٍ لَحماً مُدَفِّقةٍ iiثَردا
وَفي فَرَسٍ نَهدٍ عَتيقٍ iiجَعَلتُهُ
حِجاباً لِبَيتي ثُمَّ أَخدَمتُه iiعَبدا
وَإِن الَّذي بَيني وَبَين بَني أَبي
وَبَينَ بَني عَمّي لَمُختَلِفُ جِدّا
أَراهُم إِلى نَصري بِطاءً وَإِن iiهُم
دَعَوني إِلى نَصرٍ أَتيتُهُم شَدّا
فَإِن يَأكُلوا لَحمي وَفَرتُ iiلحومَهُم
وَإِن يَهدِموا مَجدي بنيتُ لَهُم iiمَجدا
وَإِن ضَيَّعوا غيبي حَفظتُ iiغيوبَهُم
وَإِن هُم هَوَوا غَييِّ هَوَيتُ لَهُم رُشدا
وَلَيسوا إِلى نَصري سِراعاً وَإِن هُمُ
دَعوني إِلى نَصيرٍ أَتَيتُهُم شَدّا
وَإِن زَجَروا طَيراً بِنَحسٍ تَمرُّ iiبي
زَجَرتُ لَهُم طَيراً تَمُرُّ بِهِم iiسَعدا
وَإِن هَبطوا غوراً لِأَمرٍ يَسؤني
طَلَعتُ لَهُم ما يَسُرُّهُمُ iiنَجدا
فَإِن قَدحوا لي نارَ زندٍ يَشينُني
قَدَحتُ لَهُم في نار مكرُمةٍ iiزَندا
وَإِن بادَهوني بِالعَداوَةِ لَم iiأَكُن
أَبادُهُم إِلّا بِما يَنعَت iiالرُشدا
وَإِن قَطَعوا مِنّي الأَواصِر iiضَلَّةً
وَصَلتُ لَهُم مُنّي المَحَبَّةِ iiوَالوُدّا
وَلا أَحمِلُ الحِقدَ القَديمَ iiعَلَيهِم
وَلَيسَ كَريمُ القَومِ مَن يَحمِلُ الحِقدا
فَذلِكَ دَأبي في الحَياةِ iiوَدَأبُهُم
سَجيسَ اللَيالي أَو يُزيرونَني iiاللَحدا
لَهُم جُلُّ مالي إِن تَتابَعَ لي iiغَنّى
وَإِن قَلَّ مالي لَم أُكَلِّفهُم iiرِفدا
وَإِنّي لَعَبدُ الضَيفِ ما دامَ iiنازِلاً
وَما شيمَةٌ لي غَيرُها تُشبهُ iiالعَبدا
عَلى أَنَّ قَومي ما تَرى عَين iiناظِرٍ
كَشَيبِهِم شَيباً وَلا مُردهم مُرداً
بِفَضلٍ وَأَحلام وجودِ iiوَسُؤدُد
وَقَومي رَبيع في الزَمانِ إِذا iiشَدّا


لم يتم جمع أشعاره في ديوان وتفرق الكثير منها، ولم تكن قصائد الكندي طويلة فكان أطولها القصيدة الدالية، و من بعدها قصيدة تضم 18 بيت وباقي القصائد تتراوح بين سبعة أبيات وبيت واحد، وتدور معظم قصائده في نفس إطار القصيدة الدالية والتي سبق ذكرها، وقد أنشد الكندي بعض أشعاره بين يدي عبد الملك بن مروان، وتوفى عام 70هـ.

إِنّي أُحَرِّض أَهلَ البُخلِ iiكُلِّهُم
لَو كانَ يَنفَعُ أَهلَ البُخلِ iiتَحريضي
ما قَلَّ ماليَ إِلّا زادَني iiكَرَماً
حَتّى يَكونَ برزقِ اللَهِ iiتَعويضي
وَالمالُ يَرفَعُ مَن لَولا iiدَراهِمُهُ
أَمسى يُقَلِّب فينا طرفَ iiمَخفوضِ
لَن تُخرِج البيضُ عَفواً مِن اكُفِّهُم
إِلا عَلى وَجَعٍ مِنهُم وَتَمريضِ
كَأَنَّها مِن جُلودِ الباخِلينَ iiبِها
عِندَ النَوائِبِ تُحذى iiبِالمَقاريضِ



يعتبر المقنع الكندي شاعر مقل، ويكشف شعره عن شخصيته، فتتمتع ألفاظه بالسلاسة، بالإضافة لرصانة أسلوبه وانتقائه للألفاظ والمفردات الشعرية، وتكراره للألفاظ من أجل تأكيد وتوصيل الفكرة.

نَزَلَ المَشيبُ فَأَينَ تَذهَبُ iiبَعدَهُ
وَقَد ارعَويتَ وَحانَ مِنكَ iiرَحيلُ
كانَ الشَبابُ خَفيفَةٌ iiأَيّامُهُ
وَالشَيبُ مَحمَلُه عَلَيكَ iiثَقيلُ
لَيسَ العَطاءُ من الفُضولِ سَماحَةً
حَتّى تَجودَ وَما لَدَيكَ iiقَليلُ