كم هو مؤلمٌ أن يستعمرَ الجفافُ الأرضَ فيقهقه مُنتشياً ثم يخطو بقدمه الشوهاء فوقَ كلِ شبرٍ فيها يرمقُ الحياة فيه بعينين يقدحُ منهما شررٌ كالجبال .. , لايكادُ يلامسُ الشررُ مظهراً من مظاهرِ الحياة إلا أحرقه وصيره هشيماً تذروه رياحُ الألمِِ , فلا أخضرَ ينجو ولايابسَ من الحَرقِ حتى الماء يُحرقهُ !!! , فيغدو الشبرَ قاعاً صفصفاً لاتسمعُ فيه حفيفَ أوراقٍ لأغصانٍ تتراقصُ على تغريدِ العصافير ولا خريرَ ماءٍ حينَ يُداعبُ نسماتِ الهواء العليل كأنه طفلٌ من فضة ... ولا ترى فيه منظراً حسناً مُبهجاً أو حتى ابتسامةَ طفلٍ من لحمٍ ودم !!! ولاتشتمُ فيه عطراً ساحراً ... فكلُ ذلكَ قد أحرقهُ الشرر .. فصيرَ الحفيف صوتَ حطمٍ بعدَ أن جفَ الشجر , والتغريدُ نواح ثكلى وخرير الماء أنيناً وتوجعاً وحسراتِ غيظِ وآهاتِ قهر ... وكل العطور غدت ريحَ احتراقٍ لأحلامِ وآمال بشر !!!

كلُ
هذا
يومَ
أن
غابَ
المطر
!!!

وباتَ الجفافُ وحشاً ضخماً يُلقى بذاك الشرر ويغرسُ في كل شبرٍ يجتاحه رايته البشعة , فيضربُ بها الأرضَ بكل عنفٍ فتغوص عميقاً مُحدثة شرخاً أعمقَ فيغدو الشرخُ مقبرةً للمروءة للحبِ للصدقِ للأمانة للوفاء للعطاء للتضحية لضحكات الأطفالِ لحكايا العواجيز لأنوثة النساء لهممِ الشبابِ ... , فلا يغدو في الشبرِ إلا العجزُ والفقرُ والقهرُ والغدرُ وألفِ حيلةٍ خسيسةٍ يحتالها صاحبُ الحاجة حينَ يعضُ أطفاله الجوعُ أو يعربدُ البردُ على أجسادهم العارية , أو حين يغدو الممكنُ حُلماً بعيدَ المنالِ ....!!!! وشبراً يتلوه شبرٌ يسقطُ في براثنِ الجفاف ِ فتدوسه سنابك خيلِ الألم والجوع والفاقة والفقر والمرض والعجز والظلم والقهر حين تركضُ فوقَ أحلامه وآماله واحتياجاته , فيسقطُ حقاً كعصفٍ مأكول !!!

كلُ
هذا
يومَ
أن
غابَ
المطر !!!

فلماذا لانصنعُ نحنُ المطر ؟!!



يعاني - معظمنا - من آفة التفكير الطرفي , فننظرُ لأي أمرٍ من طرفٍ واحدٍ ونتعاطاه من جانبٍ واحد , ونهملُ بقيةً الأطرافِ ونتجاهلُ ماتبقى من جوانب !!!

ليس المطرُ ماءً ينزلُ - بأمرِ الله - من السماء فحسب , بل أن تُعينَ المُحتاجَ مطر , أن ترفعَ الظلمَ عن المظلومِ مطر , أن تطببَ جرحَ مجروحٍ مطر , أن تُسكنَ ألمَ موجوعٍ مطر , أن تقضي حاجة مُحتاجٍ مطر , أن تُرشدَ ضالاَ مطر , أن تمسحَ رأس يتيمٍ مطر , أن تُنقذَ غريقاً أو غريقةً من الفضيحة أو الفسادِ مطر , أن تجبرَ كسرَ كسيرٍ مطر , أن تُربتَ على كتفِ مُصابٍ مطر , أن تُرسلَ البسمةَ صادقةً لكل من تراه مطر , أن تهبَ الكلمة الطيبة - وبدون مقابلٍ مُنتظرٍ - مطر , أن تهبَ الحبَ بلا ثمنٍ مطر ...
آه لو صنعَ كل واحدٍ منا على شبرٍ واحدٍ فقط قطرةَ مطر ...
لن يُكلفنا الأمرُ شيئاً فما أسهل صُنعَ المطر ...!!
سيضمحلُ الجفافُ سينتهي لن يقوى مُقارعة المطر ..
ومن لم يستطع أن يهبَ الشبرَ مطراً فليته يكتفي بذلك ولايهبُ الجفافَ جبالاً من شرر ..
أنتِ أنتِ وأنا سنحاول جاهدين أن نكونَ صُناعُ مطر ..
.
.

(
المؤمنُ كالغيثِ أينما وقعَ نفع )
أو كما قال صلى الله عليه وسلم


نــرســــيــان