المجتمع الحر

تميل المجتمعات، وكذا الأفراد الذين نشأوا على المفاهيم الاستقلالية إلى تغليب الأفكار العملية، وهؤلاء ينظرون إلى الأمور بنظرة تفصيلية تخصصية، تأخذ في الحسبان مدى تحقق النفع والفائدة، فالفرد الواحد منهم أمة بذاته، يسير واحداً، ويفكر منفرداً، يتخذ مواقفه وتوجهاته حسب قناعاته، ويقرر في ضوء مصلحته، فالرأي ما يراه هو، لا شأن له بما يقرره الغير، ولا ينتظر من الآخر مساندة أو عوناً أو مسايرة، شعاره الالتزام بالأطر العامة، والثوابت الراسخة.

وترتب على هذا، سرعة في الحركة، ومزاحمة الركب في بلوغ المقدمة، نشاط وهمة، مبادرة ومبادأة، جسارة وجرأة، لا للالتفات إلى الوراء، بل نظرة مستقبلية مستشرفة ثاقبة عازمة إلى الأمام دائماً، مسارعة في استثمار الفرص.

أما المجتمعات والأفراد الذين نشأوا على المفاهيم الاتكالية فإنهم يميلون إلى تغليب الأفكار العمومية، وهم ينظرون إلى الأمور بنظرة شمولية عامة، وكأنهم يسيرون في مسيرة واحدة، أو في قاطرة واحدة، مما يستلزم من الجميع المشاركة والموافقة على ما سوف يتخذ من قرار أو توجه في تسيير القاطرة وتوجيهها، فالرأي ما يراه العامة، وهم جميعاً ملزمون ملتزمون بما يتمخض عن ذلك من فعل أو قول.

وترتب على هذا، تباطؤ في الحركة، وتأخر عن الركب في المزاحمة، وتراخ وتكاسل، وكثرة الالتفات إلى الوراء، وطلب العون والمساعدة من الآخر، وتهيب من المجهول، وتردد في استثمار الفرص، وترقب التوجهات العامة ومسايرتها، والمسارعة في النكوص إلى المألوف.

إنّ الفرق بين حال الاستقلال وحال الاتكال كبير، هذا محلق، وذاك منبطح، المجتمع المستقل حر يمتلك زمام أمره، سيد يتحكم في قراره ومصيره، والمجتمع المتكل مستعبد مسير، تابع يتحكم الغير في قراره ومصيره، لا حول له ولا قوة.

ومن أهم سمات المجتمع المستقل، الاعتماد على الذات في إمكان تأمين الغذاء، فالأمة التي تتملك مصادر تأمين قوت شعبها، أمة حرة تشعر وكأنما حيزت لها الدنيا، لأنه لا يمكن أن يساومها أحد أو يبتزها مستغلاً أهم عنصر في حياتها وهو أمنها الغذائي، وهذا لن يتأتى إلا بتصحيح المفاهيم المجتمعية السائدة الآن، المفاهيم التي استساغتها العقول ورضيت بها، فكونت مجتمعاً اتكالياً مسترخياً، يرضى بالقشور والزخارف والمظاهر، مجتمعاً لا يرى أبعد مما تحت قدميه، على الرغم من هول المخاطر المحيطة، مجتمعاً يزهو بكونه قناة استهلاك للمواد المستوردة المغلفة بالكثير من المغريات، وهي تحمل في طياتها مكامن الهلاك والاستعباد.

د. عبد الله بن عبد العزيز المعيلي