لقد كان سلفنا الصالح رضوان الله عليهم يفرحون بدخول الشتاء إذ يحدونه مُعيناً لهم على طاعة ربهم إذ أن فيه من المزايا
ما ليس في غيره


فمن ذلك طول ليله بحيث ينامون فيه بغيتهم ثم يقومون لمناجاة ربهم بتهجدهم وقد أطمأنت نفوسهم وأخذت مقدارها
من النوم من بقاء وقت كاف للتهجد والقيام ومناجاة الحي القيوم
.

ومن مزايا هذا الموسم قصر نهاره وبرودته مما يعين على صيامه . قال الإمام ابن رجب رحمه الله : المؤمن يقدر في الشتاء
على صيام نهاره من غير مشقة ولا كلفة تحصل له من جوع ولا عطش ، فإن نهاره قصير بارد فلا يحس فيه بمشقة الصيام
.

كما قال الشّيخ الألباني رحمه الله- عَنْ عَامِرِ بْنِ مَسْعُودٍ الْجُمَحِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم : (( الصَّوْمُ فِي الشِّتَاءِ الْغَنِيمَةُ الْبَارِدَةُ )) .
قال ابن رجب: غنيمة باردة لأنها حصلت بغير قتال ولا تعب ولا مشقة، فصاحبها يحوز هذه الغنيمة عفوا صفوا بغيركلفة

وكان أبو هريرة رضي الله عنه يقول: " ألا أدلّك م على الغنيمة الباردة " قالوا: بلى؛ فيقول:"الصّيام في الشّتاء وقيام ليل الشّتاء".
نسأل الله أن يوفقنا لأدائهما.
فحريٌّ بنا أيّها المؤمنون اقتناص هذه الغنيمة لا سيّما في الأيّام الفاضلة مثل الإثنين والخميس أو الأيّام البيض ونحو ذلك.

ويروى عن ابن مسعود أنه قال : مرحباً بالشتاء تنزل فيه البركة ويطول فيه الليل للقيام ويقصر فيه النهارللصيام.

وعن عبيد بن عمير أنه كان إذا جاء الشتاء قال : يا أهل القرآن طال ليلكم لقراءتكم فاقرأوا وتقصر النهار لصيامكم فصوموا

وقال الحسن البصري رحمه الله: ( نعم زمان المؤمن الشتاء: ليله طويل فيقومه، ونهاره قصير فيصومه ).

ومن درر كلامه رحمه الله قوله: ( الشّتاء ربيع المؤمن )..
وهذا كلام في غاية الجمال حتّى ظنّه بعضهم حديثا مرفوعا، قال ابن رجب رحمه الله في شرحه:
"
وإنما كان الشتاء ربيع المؤمن لأنه يرتع فيه في بساتين الطاعات، ويسرح في ميادين العبادات، ويتنـزّه قلبه في رياض الأعمال الميسرة فيه، ويصلح بين المؤمن في الشتاء على صيام نهاره من غير مشقة من الطاعات، فإن المؤمن يقدر في الشتاء على صيام نهاره من غير مشقة، ولا كلفة تحل له من جوع ولا عطش، فلايحس بمشقة الصيام

ومن مزايا الشتاء : أنه يدل على قوة الإيمان لدى أولئك النفر الذين فارقوا فرشهم الدافئة وهبوا للتهجد أولصلاة الفجر يقاسون البرد الشديد وماء الوضوء الذي يلذع الأطراف . فالمؤمن الذي يقاسي البرد ويخرج لصلاة الفجر متلفعاً باكسيته قد استحق إن شاء الله
أن يوصف بالصدق وأنه لبى نداء ربه مع كثرة الصوارف والمغريات بتركه
.

ومما يعظم أجره ويجزل جزاؤه في هذا الموسم إسباغ الوضوء ، فإن النفس تجد من التكاسل عن أسباغ الوضوء أوتجديده من جرَّاء البرد مالا تجده في غير الشتاء ولذلك رغَّبَ حبيبنا صلى الله عليه وسلم في أسباغ الوضوء وإكمال التطهر ولو عانى المتوضى من ذلك شدة أو أحس بصعوبة . ففي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات ؟ قالوا بلى يا رسول الله .فقال اسباغ الوضوء على المكاره وكثرة الخطا إلى المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط فذلكم الرباط .

وفي حديث معاذ (( أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى ربه يعني في المنام فقال له : يا محمد ، فيم يختصم الملأ الأعلى فقال : في الدرجات والكفارات . قال والكفارات أسباغ الوضوء في الكريهات ونقل الأقدام إلى الجمعات وفي رواية الجماعات وانتظار الصلاة بعد الصلاة. من فعل تلك عاش بخير ومات بخير وكان من خطيئة كيوم ولدته أمه ))

فيالها من أجور ويالها من درجات عاليات ، فالسعيد من شمر وجاهد وسابق إلى فضل الله ، والله ذو الفضل العظيم