بسعة الاطلاع والوعي تتوسع المدارك وتنتج منهج
نبوي صحيح مبني على الاعتدال وثقافة.الحوار
والمحبة والتسامح خلاف الجهل والتخلف الذأن
ينتجان التشدد والضلال وفساد المنهج ومن
الاكيد ان ظهور داعش والقاعدة وما شابه
من الاشخاص والجماعات المتاجرة بالدين
إلا دليل كافي لكل فطن.


مؤثرات على الفقيه ورأيه

الشيخ عادل الكلباني

قد يتساءل القارئ لأول وهلة عند لمحه لعنوان المقال، وهل يتأثر الفقيه بمحيطه؟! والجواب، نعم. إن الفقيه ليتأثر بمحيطه الجغرافي وبواقعه الاجتماعي، وقد تحدَّثَتْ عن هذا التأثر نصوص شرعية، تجعلنا لا نستغرب من اختلاف الخلق في آرائهم وطباعهم، مع وحدة المصدر، إلا أن كل فهم مرتبط بما حوله في تفسير ما يبلغه من علم، ففي المسند عن أبي موسى، عن النبي صلى الله عليه وآله قال: « إن الله خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض، فجاء بنو آدم على قدر الأرض، فجاء منهم الأبيض، والأحمر، والأسود، وبين ذلك، والخبيث، والطيب، والسهل، والحزن، وبين ذلك » ولاشك أن التقسيم الإلهي للشعوب جاء وفقًا لخلقتهم، فما جعل الله شعبًا في أرض إلا وأخذت طباعهم تضاريس بيئتهم الجغرافية، فيختلف أهل البادية عن أهل المدينة، ويختلف سكان الجبال والصحارى عن

من المهم بمكان أن يراجع الفقهاء طباعهم، ويشددوا عليها بالمراس لتتوافق مع طبيعة الحاضر وحداثة الطباع في هذه الأزمنة، لتنتج فتوى سليمة من الغلو والجفاء..
سكان السواحل والسهول، ومن هنا اختلف الكفر في مراتبه وشدته وغلظته بناءً على طباع أهله المأخوذة من طبيعة خلقتهم، ففي القرآن (الأَعرابُ أشدّ كُفرًا ونفاقًا وأجدرُ أن لا يعلموا حدودَ ما أنزلَ اللهُ على رسولِه) ولم تكن تلك الشدة والغلظة مكتسبة من طبيعة المنشأ فقط؛ بل من المحيط الاجتماعي أيضاً، ومن مخالطة بعضهم لبعض، وحاجتهم للقسوة والغلظة في السيطرة على محيطهم، فلم تكن طباعهم وألفاظهم بعيدة عن بيئتهم الاجتماعية والجغرافية، فلا تجد الابتسامة والمزحة واللهو إلى هؤلاء طريقًا إلا تكلفًّا.

ولا يقتصر ذلك على أهل الكفر منهم، بل إن هذه القسوة والغلظة قد تصاحب الرجل منهم وإن أسلم، فيحتاج وقتاً كبيراً لمراس طبعه، وفي الصحيح، "أن رسول الله صلى الله عليه وآله قبَّل الحسن بن علي، وعنده الأقرع بن حابس، فقال الأقرع: إن لي عشرة من الولد، ما قبلت منهم أحداً، فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وآله، ثم قال: من لا يَرحم لا يُرحم".

ولكن حين وُجّهَ الخطاب لأهل المدينة قال صلى الله عليه وآله حين زفت امرأة إلى رجل من الأنصار «يا عائشة ما كان معكم لهو فإن الأنصار يعجبهم اللهو» وهذه ميزة فيهم لم تأت من فراغ، بل إنها متجانسة مع الطبيعة والمجتمع.

ولأجل هذا نجد اختلاف الفتوى والرأي من زمن إلى زمن، فما كان يصلح أن يُفتى به ساكنو الخيام وبيوت اللبن المتناثرة، وأهل القرى والمدن المتواضعة، قد لا يصلح أن يُفتى به ساكنو ناطحات السحاب في زمن "الأقمار الاصطناعية، والاتصالات الرقمية، والكثافة السكانية،" فلابد أن يكون هؤلاء قد تأثروا بالحضارة والحداثة، فلا غرابة أن ينظروا للجمود الفقهي نظرة المستنكر، ويتهموا الفقهاء بالتخلف، إذا ما راعى الفقهاء طبائع الناس واختلاف جغرافيتهم، ولاسيما كثير من المشايخ والفقهاء الذين يحيط بهم طلبة فيهم من الشدة والتسرع ما يدسونه في طباع شيخهم، مع اعتزال الأخير واقعه وحضارته، وقد كان المترجمون والمحدثون يهتمون بتدوين الطبائع، فذاك يصفونه "وفيه فكاهة" وآخر يصفونه بـ"حدة الطبع" وآخر بـ "الشديد في السنة" وليس ذلك عبثًا، وإنما ليعلم الآخذ منهجهم في الفهم والرأي والاختيار الفقهي، وبناءً على ذلك يقارن بين آراء الفقهاء، فمن المهم بمكان أن يراجع الفقهاء طباعهم، ويشددوا عليها بالمراس لتتوافق مع طبيعة الحاضر وحداثة الطباع في هذه الأزمنة، لتنتج فتوى سليمة من الغلو والجفاء، ولا ننسى أيضًا أن للحروب والمدلهمات النازلة بالمسلمين تأثيرًا واضحًا في خطاب الفقيه، ولكن عليه أن يعلم أنها طبائع عابرة، وبيئات طارئة، لا يستديم تأثيرها، ولا يدوم بقاؤها.
http://www.alriyadh.com/1609767