السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


رحلة رقم (1) مع فن الكسره للشاعره والإديبه (فاقدة غالي)


بداية
الكسرة فن شعري جميل شغفت به منذ فترة بسيطة
واخذت ابحث عنها في كل المنتديات وبما انها مختلفة عما تعودت كتابته من الشعر الشعبي ..
جعلتها موضوع لبحثي والذي جمعته من عدة مراجع ومصادر وكتب


حاولت تلخيصها تلخيص متواضع جدا
ارجو ان اكون وفقت فيه


ومن هنا سأبدا بفصول بحثي


* أصل تسمة الكسرة
اختلفت الآراء حول أصل تسمية هذا الفن ( كسره)
... فلتمسوا ان (الكسر هو النزر القليل ) :::
اي ان الكسر هو تكسير المساحه يقال .. ما تكسير دائره قطرها سبعه ومحيطها اثنان وعشرون فيقال ...ثمانية وثلاثون ونصف
فتدخل في معنى التفسير ففي اوساط الكسره يقال لدينا كسره فأين الشعراء ليكسروها اي ليفسروها



* تاريخ الكسره.


الكسرة من أنواع الشعر الذي نشأ باللغة الدارجة لعدم التزام مبدعيه بالضوابط النحوية، وهو محاكاة للشعر العربي الفصيح أوزانه وقوافيه وأشكاله وفنونه ويخضع لمناهج نقده ، ومعايير جماله ،إلا أن المفاهيم الخاصة بأساليبه قد تخذل الناقد غير الملم بها وتخلف تقديراته ، وهي ما تتصل باللغة والعبارات التي تفهم سمعياً أو من السياق .
وإذا كانت نشأة الشعر النبطي لم تحسم تحديداً فما بالك بفروعه كالمجرور والكسرة والحداء وغيرهــا ، وكل ما أمكن التوصل إليه عن نشأته إشــارات مــــن الـجـــاحــظ على أهمية أدب العـــامة ،وإشارات إلى شعر النبط والأشعار الهلالية التي نظمها أفراد لم يكن همهم الأدب ، وإنما هم تشكيل من القبائل العربية استهوتهم المغامرة وحب القتال ولم يكن يشغلهم علم أو مهنة تصرفهم عن الانجراف مع هذه الحملات التي كان معظم أفرادها أميين فأتوا بشعر بين الفصحى والدارج من التعبير ، وقد أشار إلى شيء منه ابن خلدون على أن أقدم قصيدة نبطية وجدت مكتوبة كانت للشاعر أبي حمزة الذي عاش بين القرن السابع والثامن الهجري، وحدد تاريخها من أسماء الأشخـاص والأحداث المشار إليها في القصيدة كما يشير إلى ذلك الدكتور سعـد الصـويان .
والكسرة نتاج لهذا الشعر لأنها منه شكلاً وموضوعاً ، ولكن هذا اللون الشعري يغني في كل منطقة بطريقة مخالفة لغنائه في منطقة أخرى ، فكان من أشعار الهجيني في النصف الشمالي من الجزيرة العربية ، وشعر الكسرة في الجزء الغربي منها وربما غنيت بألحان أخرى في هذا الأنحاء وأنحاء أخرى.


* ولادة الكسرة من الشعر العربي الفصيح


عرف الشعر الفصيح قديماً المثنيات الشعرية في الحوار والخطاب ، وفي العصر العباسي ظهر الدوبيت وهو شعر البيتين ، ثم ظهرت الرباعيات وأبرزها رباعيات الخيام ، وهي من شعر البيتين وسُميت رباعية لتكوينها من أربعة أركان صدرين وعجزين ، وأجزم أن رباعيات الخيام من كسرات الفصحى ، لما بينها وبين الكسرة من توافق في الإيجاز والفكرة الواحدة وتكثيف البناء والتشكيل المكون من أربعة أعمدة وتماثل الثلاثة الأجزاء الأولى في العرض والتصوير وانفراد الجزء الرابع بالمفاجأة والدهشة والرسالة الموجهة من الشاعر ، وبين أيدينا ترجمات لرباعيات الخيام قام بالأولى منهما شاعر معروف هو أحمد الصافي النجفي وقام بالثانية شاعر معروف أيضاً هو الشاعر أحمد رامي ، فلنتأمل هذه النماذج :
يقول الشاعر النجفي :
يازبدة الخلان خذ نصحى ولا = تصبح من الدنيا بهمِّ مزعج
واجلس بزاوية اعتزالك وانظُرَنْ = ألعاب دهرك نظرة المتفرج
***
ويقول أحمد رامي :
إن لم أكن اخلصت في طاعتك = فإنني أطمع في رحمتك
وإنما يشفع لي أنني = قد عشت لا أشرك في وحدتك


***
أولى بهذا القلب أن يخفقا= وفي ضرام الحب أن يُحْرَقا
ما أضيع اليوم الذي مر بي = من غير أن أهوى وان اعشقا


***
يا من يحار الفهم في قدرتك= وتطلب النفس حمى طاعتك
أسكرني الإثم ولكنني= صحوت بالآمال في رحمتك
***
تأملوا ، واصرفوا النظر عن الوزن تجدوا العلاقة قوية بين هذه الرباعيات والكسرات.
وفي القرن التاسع الهجري شاع في البلاد العربية قاطبة شعر في شكل مقطوعات قل أن تزيد عن البيتين ، واشتهر شعراء الحجاز بهذا اللون الظريف ، ويركز هذا الشعر على موضوع أو فكرة تطرح بإيجاز إما أن تكون تساؤلاً أو تعجباً أو تعليقاً على موقف مثير أو دعوة للمشاركة ، وكثرت في الغزل لخفتها وطبيعة الشفافية في شعر الغزل ، ومن ذلك أن الشاعر الحجازي الملقب "كبريت" دعا صديقاً لمصاحبته في نزهة فقال :
ياذا المعالي نحن في نزهة = فانقل إلينا القدم العالية
أنت الذي لو تُشْتَرَى ساعة= منه بدهر لم تكن غالية
***
أربعة أركان لهذه الدعوة الموجزة كما هي الحال في الكسرة ، مخاطب ، دعوة ، حرص ورغبة في المشاركة ، وتقدير واعتزاز وقفلة أو ختام مثير للوعي.
وما دام يـجوز للشاعر ما لا يجوز لغيره فهل نعتبر هذين البيتين كسرة فصيحة ؟ نعم ، لأننا لو نسجناهما كسرة شعبية لكانت :
ياذا العلا الصحب في نزهة= فانقل لنا المقدم العالي
انت الذي لو شْرِي لحظة = منُّهْ بدهرٍ ما هو غالي
***
لم يكن التغيير كبيراً في هذا النسيج ، وهو للتقريب وليس للتجريب. وقال الشاعر ابن شدقم :
لابد للإنسان من صاحب= يبدي لـه المكنون من سِرِّهِ
فاصحب كريم الأصل في عفة = تأمن وان عاداك من شَرِّهِ
***
أربعة أركان أيضا وتحمل صفات الكسرة ومنهجها ، ولو جعلناها كسرة شعبية فستكون كما يلي :
لابد للمرء من صاحب= يبدي لـه اسرار من سِرِّهِ
فاغنم كريم الاصل صاحب = تامن لاعاداك من شَرِّه
***
ويردد هذا النوع من الشعر في المجالس للإثارة والمؤانسة.
ومن هذا المنطلق نستنتج أن الكسرة ربما ظهرت خلال القرنين الهجريين العاشر والحادي عشر ، وأنها محاكاة للأشعار ذات البيتين في الفصيح .
وقد أشار الدكتور عايض الردادي إلى أن القرن الهجري العاشر شهد ظهور بعض الكلمات العامية في الشعر الحجازي ، فيقول :"وحذر المثقفون في أواخر القرن العاشر إلى خطر تسرب بعض الألفاظ العامية إلى اللغة الفصحى في شعر بعض شعراء الحجاز الذين عاشوا في عهد أبي نمي بن بركات .. على أن المجتمع الحجازي آنذاك وُجِدَ فيه شعر عامي لم تتناقله المصادر ولكنه ظل متنقلاً على الألسن إلى وقتنا الحاضر" الردادي (1404/1984-874) .
ويرى الدكتور الردادي أن السبب في عدم تدوين هذا الشعر يعـود إلى عاملين :
"أولهما ، ان المدونين من أنصار الفصحى الذين يقفون موقفاً حازماً من تسرب العامية إلى الفصحى وخاصة في ذلك الزمن . وثانيهما، أن أخبار القبائل لم يكن يدون منها إلا الجانب السلبي الذي يرضى الحاكم ، .. ولكن المدونين بدأوا يدونون شيئاً من الشعر العامي في بداية القرن الثاني عشر حينما صار ذلك الشعر لأحد أمراء مكة المكرمة .. وهذا التدوين قليل ولكنه يعطى صورة من التسامح الذي بدأ يأخذ طريقه إلى نفوس المدونين في قبـول الشعـر العــامي في مؤلفـاتهم " الـردادي (1404/1984-877) وأعتقد أن إطلاق كلمة "عامي" على هذا الشعر فيها نوع من التجني على شعرائه وعليه ، ذلك أنه يحمل فكراً لا يصدر من عـامة ، بل هو رفيع الكلام الذي يعبر به الأديب والعالم والحاكم في مجالسهم ودورهم ، إن لم يكن أرفع من ذلك .
ومن الشعر الشعبي ثنائي الأبيات ، والذي يشبه الكسرة من حيث القافية والفكرة وقرابة الوزن ما ينتشر في صعيد مصر ، وهي منطقة تبادل ثقافي قديم لوقوع هذه المنطقة قرب الشاطئ الغربي للبحر الأحمر ووجود منطقة الكسرة على الشاطئ الشرقي له ، فمن أمثلة الشعر الذي يسمونه المربع الصعيدي قولهم :
مسكين من يطبخ الفاس= ويريد مرق من حديدة
مسكين من يصحب الناس = ويريد من لا يريده
وقولهم :
ان صادفك سعد الايام = خلك على الشط ديمه
واحذف عصاتك لقدام = عوجا بتجي مستقيمة
وقولهم :
كسرة من الزاد تكفيك = وتبقى نفسك عفيفة
والقبر بكره يطويك= وتنام جنب الخليفة


وقولهم:
ما يرقد الليل مغبون = ولا يقرب النار دافى
ولا يطعمك شهد مكنون= إلا الصديق الموافي
وقولهم :
أصحى تغرك وترميك = في بحر ماله سواحل
تندم ولا شي ينجيك = وتصير في الناس غافل
وقولهم :
كيد النسا يشبه الكي= من مكرهم عدت هارب
يتحزموا بالحنش حي= ويعصبوا بالعقارب
وأخيراً :
ياقلب لاكويك بالنار = وان كنت عاشق أزيدك
ياقلب حملتني العار = تريد من لا يريدك


ومن شعر الهجيني الثنائي الأبيات مما يوافق شعر الكسرة معنى ووزناً وقافية قولهم :
وان جيت اهيجن ما انا هجان = واريد افضِّي على بالي
وحياة من خضر الوديان = البعد ما يرخص الغالي
***
العذر ما يقري الخطار = ليا صار ما فكوا الريقِ
والعسر ما يدرر الابكار= ليا صار ما به توافيقِ
***
غرست نخلة بأرض صوان = طلعت عناقيد مراتِ
لما استوى حبها يافلان = صارت لغيري حلالاتِ
***
طليت وان القمر بالبيت = بل منزلـه بالسمـا العالي
استغفر الله أنا زليت= كثر العشق غير احوالي
***
البارحة غيبة الميزان = القلب فرّن دواليبه
لا انا طموح ولا هويان = جرح الهوى اش لون اسوي به؟
***
طيري سرح وابعد المسراح = ليّا حلالاك ياطيري
شوحت لـه وابعـد المشواح = واثار عينه على غيري


***
وفي السامري والهجيني
طيري غدا والسلوقي راح= لا واحلالاه ياطيري
أصيح وادعيه بالملواح= واظن طيري لقى غيري
***
ذبحتني يا دقيق العود = وانا احسب انك تداويني
ذبحتني بالعيون السود = والسهلمة يا بعد عيني
***
مسمى لحن الفن قول الشاعر محمد القاضي وهو على وزن الكسرة :
ياذا الحمامة عليك النوح = وانا علي التفانيِن
ما دامي اكتب بطلح اللوح= فاسجع بلون من التيِن
* الكسرة ثقافية اجتماعية !!!
الكسرة ثقافية اجتماعية تتأثر للتحولات والتغيرات الفكرية والاجتماعية التي تطرأ على المجتمع، تنقل تقاليد المعاصرة إلى الأجيال التالية من خلال الأفكار والأدوات والمعالجات الشعرية، والشاعر لسان حال الفترة الزمنية، يجسد فكر المجتمع بالتصديق والانكار كان منتدى الرديح في ينبع من بين المنتديات الفكرية التي تناولت الخبر بالتحليل، دون ضجيج أو تحضير أو اعلام وإنما تحاور الفريقان المتناظران يتزعم الشاعر أحمد الكرنب فريقاً، ويتزعم الشاعر أحمد الريفي الفريق الآخر، ويبدأ الكرنب:
شيئاً على الخارطة نظم= مهندسه رايق الأفكار
فازوا علينا بغزر العلم = وبوصولهم عالي الأقمار
ومثلما يترجم بل يهندس الكرنب هذا الحدث ويصوره بدقة علمية جغرافية أدبية، معترفاً بتعدد الأقمار وبالتفوق العلمي، يستنكر الريفي أن يكون الأمريكان قد وصلوا إلى القمر، وكان حقاً على المسلمين أن يسبقوا الأمريكان إلى تحقيق هذا الإنجاز، غير أن هذا الاستنكار ليس جازماً أو قوياً فقد اشترط للاعتراف تقديم دليل وتأكيد حيث قال:
لاني موافق ولا متمم= إن كان ما للحديث انوار
دستورنا ليه ما علم = ان الكفر يطلعون اقمارا
وبعد أن حسم
وأدبية الكسرة لم تغفل التفكه والظرف وتجسيد المواقف الاجتماعية كاريكاتيريا ،وفي النماذج التالية شيء من هذه الصور .
لا ود صادق مصارحنا= ولا هجر يبدي لنا المنفوح
الله قسم قِلْ راحتنا = ما بين هات وتعال وروح
***
ما عاد باقي عيال صغار= من يوم يطلع ولد فني
يحفر ويدفن سواة الفار = مقبل ومقفى كما الجني
***
ليت الذي في القلوب يشاف= وافتش لك القلب وتشوفه
قلبك كما قلبي الميلاف = والاكما الفرد و زروفه ـ
***
الحظ عيا معي لا يفوز = والحال عيا معي يرقى
الناس تاكل هريس ولوز = وانا أدور فجل ما القى
***
من شافنا ما يصدقنا = إنا طفارى بدون فلوس
ومن شاف منظر ملابسنا= يظننا من كبار الروس
***
واقلبي اللي غدا نجَّاب = في حارة الباب عناني
من جوهرة محتويها داب= وتكايد الناس بالعاني
***
الله أكبر ثلاث مرار = على الذي شيفته عفنة
الخشم كنه وريثة نار= والعين في الوجه مندفنة
***
في الكيس عند ثلاث فلوس = في سوق بحرة تغديني
قرشين ابا اكل بها معدوس = والقرش الآخر يقهويني
***
انا بلايه صغير مجق = ماسك عصاته بها يومى ـ
فيه اللدانه لسانه حذق = ياحظ من هرجه يومى
***
ما ادري لقيتوا لكم مفلا= والا كمانا إلى ذا الوان(1)
حنا مفلين في عصلا= بلا ورق كلها عيدان
***
لقيت لي ناس ما تقرا = وليا قرت ما تعرف تخط
مقلدة تيسها الاذرا = وهو بمكواه بس يشط
****
الناس تلبس كبك وانا = الثوب ساده بلا قلاب
البعض يمشي بممشانا = والبعض يمشي بغير حساب
***
كملى عن البيض ما ذقته = ولا لي خبر فيه بالمرة
أمي عن البيت غيبَّتُه = من يوم حطت لها صُرَّة


***
وهذه الصورة من تجليات العصر الاقتصادية ، حين عمدت أم الشاعر التي كانت تربي الدجاج إلى حرمان ابنها من البيض وبيعه ، وجمع ثمنه في الصرة .
أما عن نشأة الكسرة زماناً واسماً فإن الأمور لم تحسم بعد ، وذلك لعدم الوصول إلى دليل قاطع ، فكتب المتقدمين التي بين أيدينا لم تشر إلى شيء من ذلك فأدى عدم التدوين إلى الاجتهاد الذي قد تفسده العاطفة والذاتية ، ولكن عدداً من الباحثين والدارسين المهتمين بالكسرة تمكنوا من جمع حصيلة معرفية عنها ، تجيب عن كثير من التساؤلات التي تثار حول الكسرة .
والكشف عن الحقـائق المتوارية وراء ركام السنين مسـألة شغلت الباحثين من قبل وتشغلهم من بعد ، وليس صعباً على الباحث أن يتوصل إلى حقيقة حدثت ، وضالة منشودة ، ولكن ذلك يخضع للوقت وأدوات البحث


بقلم الإديب والشاعره( فاقدة غالي)
منقول