أصدرت الجمعية الوطنية
لحقوق الإنسان تقريرها الثاني
عن أوضاع حقوق الإنسان في بلادنا،
والتي أثبتت من خلاله أهمية دورها
وعلى قدر عال من الجرأة والاستقلالية
وخصوصاً بعد صدور الأمر السامي رقم (605/م ب)
الذي أكد على استقلالية عمل الجمعية.
لقد استطاع التقرير بالفعل أن يلامس
كافة القضايا الحقوقية التي يناقشها المجتمع
في الفترة الراهنة ويبحث لها عن حلول.
الجمعية لم تكتف بطرح الإشكالات بشكل مجرد،
بل طرح تقريرها الأمثلة والأحداث والوقائع
التي تثبت وجود المشكلة الحقوقية ثم تطرح
مقترحات عملية للحلول تتماشى مع إمكانيات الواقع.
لقد كان التقرير من الشمولية بمكان،
بحيث تحدث عن كافة القضايا الأساسية
التي يناقشها الرأي العام والتي
هي من خلال رؤية حقوقية تشمل وعبر هذه البوابة
الأم كافة جوانب الإصلاح الاقتصادي
والاجتماعي والقضائي والتربوي
وغيرها من الجوانب الحياتية التي تمس المجتمع،
ذلك أن مفهوم حقوق الإنسان من الشمولية
بحيث يشمل حقوق الإنسان منذ لحظة ولادته (حق الرضيع)
مروراً بحقه كطفل ثم كشاب أو حقها كإمرأة،
الحقوق في العمل، الحقوق في الشارع والمرور،
الحقوق في التعليم والمعرفة،
وحتى الوصول إلى حقوق العجزة.
إن النظرة الشمولية لهذا المفهوم تجعل منه
منبعاً لبقية روافد الحياة، وهذا ما جعل
من هذا التقرير مميزاً باعتبار مطالبه
في كافة المجالات برنامجا إصلاحيا علينا العمل
على تدعيمه والوقوف معه وترسيخه في الأذهان
من أجل السير ببلادنا خطوة للأمام.
في مجال الحريّات أكد التقرير على حق المشاركة
ودعا هيئة الصحفيين إلى تعزيز دورها
باتجاه الحرية الصحفية، وعلى
«مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني»
تكثيف عمله ومراجعة آلياته والعمل
على التحقق من تنفيذ التوصيات الصادرة
من تلك الحوارات، ودعا إلى الشفافية
الإعلامية ومناقشة قضايا
وهموم المواطنين إعلاميا.
وعلى مستوى أهم مؤسسة تمثيليّة
تعبّر برمزيتها عن المشاركة الشعبية،
وهي مجلس الشورى، دعا التقرير
إلى إعادة النظر في آلية تشكيل المجلس
والأخذ بأسلوب الانتخاب بدلا
من التعيين على أن يكون تدريجياً
حتى الوصول للانتخاب الكامل للأعضاء،
إضافة إلى توسيع صلاحيات المجلس
لتشمل المراقبة، ودعا المجلس إلى مشاركة
المجتمع وإطلاع الرأي العام على مداولاته
باعتباره المعني الأول بهذه النقاشات
التي تمس مصير الناس.
وعلى المستوى الأمني تطرّق التقرير
إلى جهود الأجهزة الأمنية التي لا مجال لإنكارها،
لكنه تطرّق أيضاً إلى ضرورة تقيّد الأجهزة
الأمنية بنظام الإجراءات الجزائية ووقف التجاوزات،
وضرورة إصلاح حالة السجون ومعالجة كافة الثغرات
من أجل تحويلها إلى إصلاحيّات حقيقية،
كما طالب هيئة
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالالتزام
بالتعميم الذي يحدّد صلاحيات الهيئة وبأن دورها
ينتهي بمجرّد القبض على المشتبه به،
ومن ثم تسليم من يقبض عليهم للمراكز الأمنية
وعدم نقل أي مشتبه به ذكراً كان أم أنثى إلى مراكز الهيئة.
وفي المجال القضائي، حرص التقرير
على إبراز أهمية تحديث وتطوير
هذا القطاع بما يتماشى مع كافة التطورات
الاقتصادية والاجتماعية وبروز الكثير
من الإشكالات العصرية التي تتطلب
وضع قوانين ونظم تحكم العلاقات الاقتصادية
والاجتماعية، مما يتطلب من القضاة
معرفة القوانين والنظم، فهناك قضايا
تجارية وقضايا عمالية وقضايا مرورية.
. وغيرها الكثير، الأمر الذي يتطلب تنوع القضاء
مما يتطلب رفع كفاءة السلك القضائي ليصبح
معه ضرورة حصول القضاة على شهادة
جامعية في القوانين والنظم بالإضافة إلى
التخصص الشرعي أو الاكتفاء بشهادة النظم
والقوانين لمن يحكمون في قضايا متخصصة.
التقرير أيضاً أبرز الأهمية التي يستحقها
نظام الجمعيّات والمؤسسات الأهلية،
باعتبارها ناظماً لدور المجتمع المدني
بما يشكل من اتحادات مهنية وجمعيات
أهلية متنوعة، لذا أشاد التقرير
بدور مجلس الشورى أنه أعطى الفرصة
لإعادة النظر في المسودة الأولى لنظام
الجمعيات، لكن الناس مازالت تنتظر
صدور هذا النظام، حيث يطالب التقرير
بسرعة إصداره ومراجعته من أجل تعديل النصوص
التي قد تقيّد عمل جمعيّات المجتمع المدني.
المساحة المتاحة لا تكفي للحديث باستفاضة
عن كل ما احتواه التقرير، لكن الأمر الذي
لا شك فيه هو أن الجمعية الوطنية لحقوق
الإنسان بتقريرها هذا طرحت برنامج
إصلاح وطنيا ممكن التحقيق،
وعلى كل من يريدون خيراً لهذا الوطن
أن يشيدوا ويدعموا ويستوعبوا وينشروا
ويجذروا هذا التقرير ليتحوّل المأمول إلى معمول به.
صحيفة عكاظ \ العبدالباقي
