أولاً: استعراض أقوال المؤرخين المعاصرين عن هذه المعركة والتعليق عليها:
تناول عدد من المؤرخين المعاصرين هذه المعركة، وممن ذكر تلك المعركة أحمد السباعي – رحمه الله تعالى – قي كتاب "تاريخ مكة" فقال ما نصه:
"وعبث بعض المفسدين من قبائل زبيد وبشر ومعبد وسليم بالأمن، وقطعوا طريق القوافل بين جدة ومكة في رمضان عام 1300هـ، فجهز الشريف عون جيشاً لقتالهم ففروا إلى عسفان فأدركهم وأوقع بهم حتى أطاعوا له"(1).
والسباعي لم يشير إلى مصدر الخبر ويبدو أنه ناقل الخبر عن الدحلان ومن الواضح أن نص السباعي – عفى الله عنه – فيه تحامل كبير على زبيد، فلم يذكر السبب الحقيقي لخروج زبيد عن طاعة الشريف عون الرفيق، كما أن قوله بأن الشريف عون الرفيق أوقع بزبيد فيه تحامل شديد، ذلك أن المعركة انجلت عن انتصار زبيد على جيش الشريف وليس العكس وهو ما سوف نوضحه لاحقاً
كما ذكر تلك الحادثة أيضاً الشيخ عاتق البلادي – رحمه الله تعالى – في كتاب "نسب حرب" ولم يشر إلى المصدر الذي نقل عنه ويبدو أنه ناقل عن السباعي.، ثم ذكر الحادثة مرة أخرى في كتاب "الإشراف على تاريخ الأشراف" نقلاً عن السباعي. وفي كلا الخبرين لم يعلق البلادي على الحادثة مما يشير إلى أن ما أورده السباعي حقيقة مسلم بها لا تقبل التحقيق(2).
وممن ذكر تلك الحادثة أيضاً الأستاذ فائز البدراني قي كتاب "فصول من تاريخ قبيلة حرب" فقد نقل طرفاً من الخبر عن الدحلان، فقال ما نصه:
"قال السيد دحلان في خلاصة الكلام (وفي شهر رمضان من هذه السنة أعني سنة ثلثمائة وألف كانت فتنة في أطراف مكة بخروج بعض العرب من قبائل زبيد وبشر ومعبد وسليم خرجوا في طريق جدة وصاروا ينهبون الحمل الذي يمر بهم وهحم جماعة منهم على جدة ليلة العاشر من رمضان وحصل من ذلك اضطراب كثير وكان سيدنا الشريف عون بالطائف فنزل في أواخر شهر رمضان وجهز جيشاً لغزوهم ووصل به إلى عسفان ووقع قتال ثم وقع الصلح ... إلخ)".
وعلق البدراني على تلك الحادثة بما نصه:
"ويستفاد من بعض المصادر الأخرى أن سبب هذه الاضطرابات يعود إلى سوء إدارة الشريف عون الرفيق للأمور وكثرة مظالمه لأهل الحجاز وإهماله لشؤون البادية"(3).
ورغم أن البدراني نقل طرفاً من الخبر عن الدحلان المعاصر لتلك المعركة غير أنه لم يورد نص الخبر كاملاً. والبدراني ذكر أسباباً جوهرية أدت إلى خروج زبيد عن طاعة الشريف عون الرفيق غير انه لم يذكر الأسباب الحقيقية التي أوردها الدحلان المعاصر لتلك الحادثة.
وممن ذكر تلك الحادثة أيضاً الدكتور مبارك المعبدي في كتاب "ملامح من تاريخ قبيلة حرب" ولم يشر إلى المصدر الذي نقل عنه ويبدو أنه ناقل الخبر عن البلادي، وقد أضاف إلى الخبر استمرار القتال والمناوشات فترة من الزمن، ثم أشار إلى تعليق البدراني عن أسباب تلك الحادثة، وأضاف عيها المعبدي ما نصه:
"ولقد كانت الحياة المعيشية آنذاك في حالة من الضنك، مما جعل القبائل تقوم بغارات من أجل الحصول على الطعام من أي مصدر كان سواء بطريقة مشروعة أو غير مشروعة"(4).
ومن الواضح أن ما اورده المعبدي عن استمرار القتال والمناوشات بين الشريف عون الرفيق وزبيد وكذلك أسباب خروج زبيد عن طاعة الشريف عون الرفيق لا تمت للحقيقة بصلة ولا تستند على مصادر تاريخية.
ثانياً: تاريخ المعركة، أسباب المعركة وتاريخها، أسباب خروج زبيد عن طاعة الشريف، نتيجة المعركة، قصيدة الشاعر الجدعاني الزبيدي الحربي عن تلك المعركة:
من المؤرخين المعاصرين لتلك المعركة المؤرخ المكي السيد أحمد زيني دحلان حيث قال ما نصه:
" وفي شهر رمضان من هذه السنة أعني سنة ثلثمائة وألف كانت فتنة في أطراف مكة بخروج بعض العرب من قبائل زبيد وبشر ومعبد وسليم خرجوا في طريق جدة وصاروا ينهبون الحمل الذي يمر بهم وهحم جماعة منهم على جدة ليلة العاشر من رمضان وحصل من ذلك اضطراب كثير ثم هربوا وكان سيدنا الشريف عون بالطائف فنزل في أواخر شهر رمضان وجهز جيشاً لغزوهم ووصل به إلى عسفان ووقع قتال قليل ثم وقع الصلح وجاؤا طائعين وسكنت الفتنة وأمنت الطرق وسلكت واعتذروا بأن الفاعل لذلك بعض الجهال منهم ولم يرض الشيوخ به وان الحامل على ذلك أن الحكماء الذين بمكة وجدة يأخذون الغنم التي يجلبونها لمكة ويدفنونها في الأرض لان فيها أثر الوباء الذي يسمونه بالكايرة وانه ذهب لهم بذلك أموال كثيرة وأن النصارى الذين بجدة يأخذون رقيقهم ويطلقونه من أيديهم ويرفعون الرق عنه حتى عصى عليهم عبيدهم وقيل أن من أسباب ذلك حبس الشريف عبد الله بن زبن أحد الأشراف ذوي حسين فانه لما قبض على الشريف عبد المطلب قبض عليه وعلى الشريف علي بن سعد السروري وحبسا وطالت مدة حبسهما ويدعى عليهما بدعاوي الله أعلم بصحتها"(5).
كما أورد محمد سعيد كمال – رحمه الله تعالى – في كتاب "الأزهار النادية من أشعار البادية" قصيدة نسبها إلى شاعر من قبيلة الجدعان من زبيد من حرب قالها عند غزو الشريف عون الرفيق يقول فيها:
انا هيض عليِّ وهاض بالي = نهارٍ لاشهب الملح اشتعاليتجرازه من ايمان العيالي = وحسه كل الأمة يسمعونهصلاة الصبح جاي له خيالي = وفيِّه مع صلاة الظهر ماليوله حسٍ يزلزل بالجبالي = ويمطر بالثميدي من مزونههذيل الشام جونا من يمين = أهل بندق وأهل حب متينولاقاهم عيالٍ ...... (6) = ليا زاد الحريب يريعونهوبيشه جو علينا بايشين = وزير الحرب ظلا له دنينوصادفهم عيالٍ غانمين = يردون المداين عن ديونهالبيشي سرح للحرب طاير = وجانا منصرم مال الودايريحسبنا من الفطر جزاير = وإلا من طعامٍ ياكلونهوكم بيشي صبغ بالدم ثوبه = وبارقهم كِسِر ما عودوبهوزير الحرب في الحرة رموابه = وربعي كم حريبٍ ياخذونهأول ما رمى البارق حَمِيد = راميهم بصافية الحديداللي عن ندبها ما تحيد = ولياها على حجَّب عيونهوجا ما بيننا شيءٍّ حطيبي = من الراكا إلى خشم النويبيوكثر الطرح فاولاد العتيبي = وكلا شال كحله في عيونهوأرسلنا المصيح للعسوم = وربعٍ ما يخلون اللزوموجونا بافتراق في العلوم = وعلمٍ ما نفعنا في حتونهوأرسلنا المصيح للصحاف = وربعٍ في مواقفها تشافوجانا منهم لابة خفاف = والمايل لزوم يعقلونه(7)
ومن الواضح أن القصيدة غير مكتملة غير أنها تفي بغرض الاستشهاد على هذه الحادثة، على الرغم إنني لا أميل إلى الاستشهاد بالشعر في الحوادث التاريخية.
ومما سبق يترجح لديَّ – والله سبحانه وتعالى أعلم – ما يلي:
1-تاريخ المعركة:
حدثت في شهر شوال سنة 1300هـ، وليس في شهر رمضان كما ذكر السباعي ومن جاء بعده. ذلك أن الدحلان ينص على أن الشريف عون الرفيق نزل من الطائف إلى مكة أواخر شهر رمضان وأخذ يجهز جيشاً لغزو زبيد. مما يفيد بخروج الجيش في شهر شوال.
2-أسباب المعركة:
خروج زبيد عن طاعة الشريف عون الرفيق وقيامهم بقطع طريق القوافل بين جدة ومكة ومهاجمة جدة. والأسباب التي أدت إلى خروج زبيد عن طاعة الشريف عون الرفيق كما أوردها الدحلان ما يلي:
1-أن الأطباء في مكة وجدة يصادرون الأغنام التي يجلبونها بحجة أن فيها أثر الوباء مما أدى إلى فقدانهم لأموال كثيرة.
2-أن النصارى في جدة يأخذون رقيقهم ويطلقونه من أيديهم ويرفعون الرق عنه حتى عصى عليهم عبيدهم
3-حبس الشريف عبد الله بن زبن أحد الأشراف ذوي حسين والشريف علي بن سعد السروري حتى طالت مدة حبسهما.
3-نتيجة المعركة:
انتصار زبيد على الشريف عون الرفيق، مما أدى إلى قيام الشريف عون الرفيق بمهادنة زبيد والصلح مهم. والشاهد على انتصار زبيد على الشريف عون ما يلي:
1-أن الدحلان ينص على حدوث قتال قليل ثم تصالح الطرفين، ومن الواضح أن الشريف عون الرفيق لجأ إلى مهادنة زبيد ومصالحتهم بعد أن انتصروا على جيشه واوقعوا به.
2-أن قصيدة الشاعر الجدعاني الزبيدي الحربي تعطى تفصيلات عن تلك المعركة وتبين قوام جيش الشريف عون الرفيق ومن معه من القبائل، وانتصار زبيد في تلك المعركة.
3-إن ما ذكره الدحلان عن حدوث قتال قليل، وما ذكرته أبيات القصيدة عن سير المعركة ومدتها، تخالف كلياً ما ذكره المعبدي عن استمرار القتال والمناوشات بين الشريف عون الرفيق وزبيد فترة من الزمن.
والله سبحانه وتعالى أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
الهوامش والتعليقات الجانبية:
(1)تاريخ مكة، ص 551.
(2)نسب حرب ص 129 – 130. الإشراف على تاريخ الأشراف، ج2، ص 598.
(3)فصول من تاريخ قبيلة حرب، ص 555 – 556.
(4)ملامح من تاريخ قبيلة حرب، ص 311 – 312.
(5)خلاصة الكلام في بيان أمراء البلد الحرام، ص 331.
(6)كلمة غير واضحة.
(7)الأزهار النادية من أشعار البادية، ج2، ص 101 – 102.
....
