الوعي الذاتي هو معرفة الإنسان بنفسه و على مدار التاريخ كانت المشكلة الحقيقية التي تواجه الإنسان هي مشكلة الجهل, الإنسان بسبب الجهل كفر بالله تعالى وعبد الأصنام وعبد الأشياء و بسبب الجهل كذب الرسل عليهم الصلاة والسلام وقتلهم وحاربهم, وبسبب الجهل اقتتل بنو الإنسان واعتدي القوي على الضعيف.
قائمة أضرار الجهل تبدأ لكنها لا تنتهي, ومن هنا ندرك أن المعنى الجوهري الذي يكمن خلف نزول أول آية في كتاب الله تبارك وتعالى وهي قوله تعالى ( اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم ) أنها مرحلة جديدة ينتقل فيها مركز السيطرة من المال ومن القوة البدنية ومن الشرف والجاه والحسب والنسب ينتقل ليكمن في العلم ويكمن في المعرفة ويكمن في الخبرة وفي الاطلاع, إنها فاتحة لعهد جديد والنبي عليه الصلاة والسلام بعد غزوة بدر صار يقبل من الأسرى الذين يعرفون القراءة والكتابة وذلك بأن يعلم كل واحد منهم عشرة من صبيان المسلمين كيف يقرأ وكيف يكتب ويكون ذلك فداء له.
إن أخطر أنواع الجهل هو جهل الإنسان بنفسه حين لا يعرف الإنسان هل هو على خطأ أو على صواب حين لا يعرف هل هو من السابقين أم من المقصرين, حين لا يعرف نقاط القوة لديه و لايعرف نقاط الضعف لديه, حين يكون في مثل هذه الحالة فإن علاقته بالله تبارك وتعالى وعلاقته بالناس تتعرض للتشوه , فتتشوه إمكاناته فلاتستغل و لا يستفاد منها و لا يعرف كيف يواجه التحديات التي تعترض سبيله, كل واحد منا لديه نقطة قوة ولو أنه اكتشف تلك النقطة في وقت مبكر وجعلها محورا لأنشطته لتثقفه لتدربه ولتعلمه لممارساته, فإنه يستطيع من وراء تلك النقطة أن ينجز الكثير لنفسه وللأمة وللناس من حوله .
إذا لدى كل واحد منا نقطة قوة قد تكون خطا جميلا قد تكون خيالا خصبا قد تكون قدرة على المثابرة قد تكون صبرا و قد تكون قوة على التسامح ,أشياء كثيرة في ذواتنا هي نقاط قوة إذا رعيناها فإننا نأخذ منها الكثيرو في المقابل لدى كل واحد منا أيضا نقاط ضعف ومن الضروري أن نتعرف على هذه النقاط ,لأن فكرة واحدة يمكن أن تشل إنسانا, فإذا كان الإنسان يعتقد انه لا يصلح لشيء و ليس لديه أي شيء ينميه و ليس عنده أي شيء يقدمه فهو يجد نفسه محاربا من الناس أو سيء الحظ , إن مثل هذه الأفكار كافية لأن تشل أي إنسان مهما كانت قدراته و أحواله وأوضاعه . من المفاهيم التي يجب أن نعرفها أيضا هي أن علينا أن نوقن جميعا أن العوائق المادية لا تشكل أبدا عائقا أمامنا, لأننا نعرف أشخاصا كثيرين ولدوا في ظروف سيئة جدا لكن من خلال العمل الجاد و من خلال الاستقامة و من خلال الأمانة , تفوقوا وتقدموا خطوات واسعة جدا ، من المفاهيم أيضا في هذا اليوم هي أن المعركة الحقيقية التي على الواحد منا أن يخوضها هي المعركة ضد أهوائه وشهواته لأنها هي العدو الأكبر الذي علينا أن نحاربها وعلينا أن نكون على حذر منها , أشخاص كثيرون يملكون الكثير من الخير لكنهم ضعفاء أمام ميولهم وغرائزهم فأدى ذلك بهم إلى أن يصبحوا في مؤخرة الركب وإلى أن يسلكوا سبل الضلالة وأن يقدموا للأمة وللمجتمع نماذج في منتهى السوء . المفهوم الآخير هو أنني إذا لم أساعد نفسي فلن يساعدني أحد نحن خلال التربية التي نقدمها والتي أيضا نحن بدورنا تلقيناها من أسلافنا نربي دائما الإنسان المتواكل الإنسان الذي ينتظر المساعدة من غيره الذي ينتظر المعونة ولكنه لا يبحث أبدا عن دوره الشخصي , من حق كل إنسان أن يبحث عن المساعدة وعلينا أن نقدم له المساعدة , لكن الجهد الأساسي الذي يجب أن يبذل هو من قبله وليس من قبل أي شخص آخر أناس كثيرون يملكون فعل أشياء كثيرة لكنهم اتكاليون فعليهم أن يدركوا أن المساعدة الحقيقية ستأتي من أنفسهم لأنفسهم . في النهاية أحببت أن أقدم قصة قرأتها وهي من التراث الصيني القديم والتي كانت هي المحفز و من خلالها تبلورت فكرة هذا الموضوع ..القصة تحكي عن امرأة صينية مسنة كان لديها إناءين كبيرين تنقل بهما الماء , تحملهما بعمود خشبي على كتفيها, وكان أحد الإناءين به شرخ والآخر بحالة تامة فلا ينقص منه شيء من الماء, بينما الإناء المشروخ يصل لنهاية المطاف من النهر وبه نصف الكمية, ولمدة سنتين كان يحدث لهذه السيدة الصينية حيث كانت تصل لمنزلها بإناء مملوء ونصف ,كان الإناء المشروخ محتقرا لنفسه لعجزه عن إتمام ما هو متوقع منه, وبعد سنتين من المرارة والإحساس بالفشل تكلم مع السيدة قائلا(أنا خجل جدا من نفسي لأني عاجز ولدي شرخ يسرب منه الماء)فابتسمت السيدة قائلة(ألم تلاحظ الزهور على جانب الطريق من ناحيتك والتي ليست موجودة من الطرف الآخر؟أنا أعلم تماما عن الماء الذي تفقده ولذلك غرست البذور على طول الطريق من جهتك حتى ترويها ولمدة سنتين قطفت هذه الزهور لأزين بها منزلي ما لم تكن أنت بما أنت فيه ما كنت لأجد هذا الجمال لأزين به منزلي)...كل منا لديه لديه نقاط ضعف وقوة ولكننا نستطيع أن نبحث عن نقاط ضعفنا وأن نحولها لقوة حتى نؤدي دورنا في هذه الحياة ,وعلينا أن نتقبل بعضنا البعض على ما نحن فيه وأن ننظر لما هو حسن لدينا وأن يحاول كل منا في إصلاح ذاته بمساعدة أهل العلم وبالتطبيق عمليا لنصائحهم ,و من المهم أن نتذكر بأن الله عز وجل خلق القدرات لدينا وبالمقابل علينا أن نجاهد في البحث عنها لتكون هي الطاقة التي من خلالها يستطيع كل منا التحرك حركة صحيحة تجاه الهدف الأعلى وهو مرضاة الله تعالى .
والحمد لله رب العالمين
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى أله وصحبه الطيبين الطاهرين
منقول للفائده
تقبلوا تحيات محبكم في الله
