أولى علامات الظهور لـ «غادة الجنوب»

اندثار حلي بني يعقوب بوابة العبور لتاريخها
مـقـتـل «الـقـاضـي»: أولى علامات الظهور لـ «غادة الجنوب»

جولة: أحمد علي الكناني تصوير: عبدالرحمن حلواني 1
حقب تاريخية.. ومعارك ضارية .. حملات ايطالية.. ومقاومة عثمانية.. وهجمات تركية.. احتضنتها غادة الجنوب.. القنفذة.. بين سهل وواد.سلاطين وملوك وأمراء حكموا ديارها.. وتعاقبت الأزمنة تاركة خلفها تاريخا حافلا بصخب الحروب وبوارج مازالت غارقة في مياه شواطيها.. كان اندثار حلي بني يعقوب بداية لدخولها بوابة التاريخ.. وحادثة مقتل القاضي أبي السعود أولى العلامات التي ذكرتها كتب التاريخ لتعلن بذلك نشأتها في ذلك الحين.. شهدت التاريخ.. وشهد لها التاريخ.. فما زالت تحتفظ ببعض الذكريات.. التي تشير إلى تاريخها العريق..
القنفذة هي إحدى المدن الساحلية الواقعة على الشاطئ الشرقي للبحر الأحمر وتقع جنوب مدينة جدة على بعد 320 كم جوا و375 كم برا وهي تبعد أيضا عن مكة المكرمة 344 كم . وتتميز مدينة القنفذة بوقوعها على مرسى بحري طبيعي يتميز بشاطئ هادئ بجواره جزيرة قريبة جدا من الشاطئ، وهناك من يعتقد ويكثر الاعتقاد أن ذلك المرسى كان مستخدما من قبل أن تقوم حوله مدينة القنفذة.
نحن لم نعثر على تاريخ يحدد بداية قيام مدينة القنفذة، إلا أن أكثر من ذكرها توقع توقعات هي اقرب ما تكون للواقع بأن مدينة القنفذة قامت في القرن الثامن الهجري، والقرائن التي تم الاستناد إليها والاستشهاد بها فيما تقدم تبين أن مدينة القنفذة، قبل تلك الحقبة من التاريخ لم تكن شيئا مذكورا.. وهذا الأمر يؤيد ذلك التوقع.
ظهور القنفذة
وأول المصادر التي أشارت إلى القنفذة نصا فيما تيسر لنا معرفته هو كتاب سمط النجوم العوالي للعصامي الذي جاء به النص التالي: كان قاضي مكة أبو السعود بن ظهيرة مباطنا لجازان فكتب إليه يستحثه ويعده بالإعانة ووعده أن يقبض له على بركات إذا وصل جازان قرب مكة وعين لذلك القبض ليلة الخامس والعشرين من شهر رمضان، فظفر الشريف بركات بكتاب أبي السعود فاستدعاه فلما دخل عليه – وكان قد اظهر السرور والفرح بولاية بركات – أوقفه على الكتاب فأنكر ذلك فقبض عليه في سابع رمضان واخذ أمواله وعقاره وعذبه، ثم بعث به وأهله إلى جزيرة القنفذة وأمر نائبه عليها ان يركبه سنبوكا ويغرقه، ففعل ذلك به، وغرق يوم الأحد الثاني من ذي الحجة سنة سبع وتسعمائة وأولاده وعياله ينظرون إليه.
هذا هو أول اسم صريح يرد للقنفذة بأنها جزيرة وهي ولاية تابعة لأمير مكة. وهذه الإشارة التي ذكرها العصامي ورد في كتاب تاريخ مكة للسباعي ما يخالفها حيث قال: وفي اوائل شعبان 907هـ انتهى بركات في جيشه إلى مكة فلم يقاومه أخوه احمد الجازاني وفر هاربا، ولما استتب أمر بركات أراد امتحان التجار الذين ساعدوا أخاه احمد بتبرعاتهم للعسكر فجعل عليهم مبالغ مضاعفة يعينونه بها كقرض فاضطروا إلى دفعها حتى لجأ بعضهم إلى بيع أملاكه لإيفاء ما تقرر عليهم.
وأراد ان ينتقم لنفسه من قاضي مكة "أبي السعود بن ظهيرة" لتقريره الأمارة لأخيه احمد ولبعض خطابات عثر عليها بخط القاضي يحث فيها احمد على القدوم إلى مكة فأمر بإحضار القاضي إلى مجلس عقد لذلك وبعد أن تلى على الحاضرين اتهاماته حكم عليه بالسجن ومصادرة أمواله وعقاره وقد حاول المجتمعون طلب العفو له فأبى العفو وأصر على إهانته ولطمه أخوه قايتباي على وجهه ثم كتب بذلك محضرا بالحكم وأمر القضاة والفقهاء والتجار بتوقيعه ثم أرسله إلى الشراكسة في مصر. ثم أغلق بيوت أبناء القاضي وبناته بعد أن جمع نساءهم في إحداها ثم أمر بغل أيدي بعض أبناء القاضي في خشب مسمر فتشفع فيهم الناس فقبل أن يفتدوا أنفسهم بخمسة آلاف دينار وبعضهم بأقل من ذلك ثم فتحت بيوتهم وبيوت والدهم وبيع ما فيها من موجودات وأثاث وكتب وصودرت أثمانها وكانت تبلغ مئات الألوف. ثم نفى عائلة القاضي على إثر ذلك إلى جزيرة ابن بركوت فما لبث أن أخذهم نائبه في الجزيرة إلى عرض البحر في مركب صغير فأغرقهم.
ثم ورد في الحاشية ما نصه: لعل الجزيرة نسبة إلى بركوت وهو من أعيان القرن التاسع ترجم له السخاوي في الضوء اللامع. وقال صاحب درر الفوائد المنظمة: ونفي بجزيرة الصبايا.
قلت: هذا تناقض في السرد التاريخي بين ما ذكره العصامي صاحب سمط النجوم العوالي وبين وما أورده السباعي صاحب تاريخ مكة حيث ذكر الأول بأن القاضي ابا السعود اغرق في جزيرة القنفذة وأهله ينظرون، بينما أشار الثاني إلى ان القاضي أرسل إلى الشراكسة في مصر ثم تم نفي عياله إلى جزيرة بركوت وما لبث نائبه عليها أن أخذهم فأغرقهم.
ثم استدرك في الهامش وقال بأن صاحب درر الفوائد المنظمة ذكر انه نفي بجزيرة الصبايا.
جزيرة الصبايا
وجزيرة الصبايا هي جزيرة تقع بالقرب من حلي تعرف بجبل الصبايا وكانت مأهولة بالسكان وتبعد قرابة عشرين كم إلى الغرب من ميناء حلي وحلي يبعد عن القنفذة قرابة 60 كم.
ومن خلال هذا السرد المتسلسل تاريخيا يتضح ان القنفذة لم تكن معروفة من تاريخ عصر الخلفاء حتى عام 907هـ حيث بدأ اسم القنفذة يظهر في المصادر كما تقدم وفي المقابل بدأت مدينة حلي بن يعقوب تأخذ في الانقراض وقد أصبحت اليوم أثرا من الآثار بعد ان زالت كل معالمها ولم يبق منها الا رموس فقط وهي تقع اليوم بالقرب من حلي قديم الواقع شمال مركز كنانة والمعروف باسم (مخشوش) حاليا بحوالى خمسة اكيال. وهذا الأمر يؤكد صحة اعتقاد من جزم بأن القنفذة قامت على إثر اندثار مدينة حلي ابن يعقوب بل وربما فر تجار وأهالي حلي إلى القنفذة.
هكذا كان ظهور القنفذة في عالم الوجود فيما اطلعنا عليه من مصادر: بعد حادثة القاضي أبي السعود بن ظهيرة عام 907 بدأ اسم القنفذة يلمع على صفحات المصادر التاريخية ومن ذلك ورود ذكر القنفذة في كتاب غاية الأماني في أخبار القطر اليماني ليحيى بن الحسين حيث أشار إلى حادثة خروج الشريف بركات بن محمد من مكة المكرمة إلى ساحل القنفذة سنة 908هـ وهذه الإشارة تدل على ان القنفذة قد أصبحت موجودة قبل هذا التاريخ وقد ذكر البلادي بان نواة القنفذة كانت موجودة قبل عام 908هـ إلا أنها لم تظهر بمسماها الحالي إلا في القرن التاسع الهجري ونحن نؤيد ذلك اذ ان المدن لا تنشأ فجأة بل تقوم رويدا رويدا حتى تكتمل جوانبها وتذيع شهرتها. وهناك من يتوقع أيضا ان القنفذة قامت كميناء ومدينة بديلين على اثر تعطل ميناء حلي واندثار مدينة ابن يعقوب كما قامت الليث كميناء ومدينة بدلا عن ميناء ومدينة السرين الأثرية.

انرت المنتدا واثريتة بمواضيعك الرائعةيعطيك العافية اخي الكناني
موضوع مميز واختيار رائع
فشكراً لك من الاعماق لما قمت به
من مجهودات رائعة بارك الله فيك

اشكرك على الموضوع

تاريخ مميز

بارك الله فيك واهلا بك في هذا المنتدى.

يعطيك العــــافيه 00على الموضوع الجميل

اشكركم