أسوأ مسؤول في الدنيا
أسوأ مسؤول في الدنيا
فهد عامر الأحمدي
هناك مثل شعبي يقول: حين قسم الله الأرزاق لم يرض أحد برزقه وحين قسم العقول رضي كل إنسان بعقله..
والفكرة هنا واضحة ولاتحتاج لشرح كثير؛ فبالنسبة للأرزاق لا يقتنع "معظمنا" بما كتب الله له ويطمع الغني والفقير بجمع المزيد (هل قلت معظمنا قبل قليل؟!!)..
أما بالنسبة للعقول فالأمر مختلف تمامًا كون كل انسان يعتقد أنه أذكى وأعقل الناس وأنه قادر على حل مشاكل الكون لوحده (فقط لو أتيحت له فرصة التصرف)..
لهذا السبب ترى كل امرئ يتخذ من نفسه مقياساً للحكم على الآخرين ولايتصور وجود رأي مخالف او احتمال كونه على خطأ. وبالمقابل أعقل الناس من يسلم بهذه الحقيقة ويدرك ضعف عقله واحتمال نقصه - ويحرص بالتالي على استشارة الآخرين ومعرفة آرائهم ومشاركتهم عقولهم!!
ومن حسن الحظ أن داء الغرور يبلغ من الانتشار والتغلغل حد انشغال كل انسان بنفسه؛ ولكنه يتحول لكارثة اجتماعية - وربما سياسية واقتصادية - حين يتفاقم لدى مسؤول يرأس عقولاً حقيقية ومجموعة كبيرة من المواهب؛ فمسؤول كهذا يلغي ببساطة وجود الآخرين ويعتبر الموظفين مجرد أدوات لتنفيذ قراراته المقدسة. ولأنه "شارب بنفسه مقلب" تراه يحشر أنفه في كل صغيرة وكبيرة معتقداً أن غيره لايحسن العمل.. والمحزن في هذا النوع من المسئولين انهم يغدون أضحوكة للصغير قبل الكبير وآخر من يعلم برأي الناس فيهم!!
.. تذكرت كل هذا أثناء اطلاعي على جزء صغير من كتاب "أحسن واسوأ مدير" لجيمس ميل يؤكد فيه أن اكثر المديرين تسلطاً وقسوة أكثرهم فراغاً وجهلًا - وبالتالي تعرضاً لنكات الموظفين.. وكان المؤلف قد طلب من آلاف الموظفين تقييم مدرائهم فاكتشف من خلال إجاباتهم ان المدير السيء بطبعه لايستطيع - مهما حاول - ستر عيوبه ونقصان مواهبه؛ فبعد أسبوع واحد فقط سيبدأ الموظفون بتقييم مديرهم الجديد ووضعه في المنزلة التي يستحقها.. وحين يتفقون على ابرز صفاته (السيئة او الحسنة) فأنهم في الغالب لايخطئون الحكم أبداً!!
وأذكر أنا شخصياً أن جريدة لواشنطن نشرت نماذج طريفة لمديرين اتخذوا من أنفسهم مقياساً لكل شيء مثل المدير السابق لشركة التلغراف (ATT) الذي كان يطلب من فروعه العالمية في آسيا وأوروبا ضبط أعمالهم حسب توقيت مقره الرئيسي في نيويورك.. اما هارفي مايرسون مدير شركة شيكاغو للمحاماة فكان يتمتع بطبع عدائي حاد لدرجة انه يتعمد وضع مسدس على مكتبه في مكان ظاهر (كي لا يتجرأ أحد على مناقشته).. وهناك ليندا واكنار (مديرة شركة وارناكو للملابس ) المدمنة بطبعها على العمل ولاتعترف بالإجازات الرسمية ولا المرضية ولا حتى عطلة نهاية الاسبوع والويل لمن يذهب للحمام دون علمها.. اما هيربرت هافت (مدير شركات هافت) فكثير الشك بموظفيه ويعادي من يخالفه بلا تردد. لهذا السبب فصل ابنه الأكبر وأقام دعوى ضد ابنه الثاني وصرف 50 مليون دولار خلال الخمسة أعوام الماضية على دعاوى رفعها ضد موظفيه.. وأخيراً هناك روبرت آلين (مدير شركة T&T) الذي وعد بعدم فصل أي موظف حين يتولى رئاسة الشركة؛ ولكنه بعد شهرين فقط فصل أربعين ألف موظف (لم يتفهموا خططه الجديدة). وبعد شهرين أخرى طلب زيادة راتبه الى ستة ملايين دولار كمكافأة على تلك الخطط !!
بصراحة؛ حين يكون المرء أحمق فهو حر في نفسه..
ولكن ان يكون أحمق ومسؤولًا فيجب ان يصدر قانوناً لمنع ذلك!
رد مع اقتباس
