أحسن الحديث (32)
قال تعالى : ( ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها ، وما يمسك فلا مرسل له من بعده وهو العزيز الحكيم ) فاطر 2 0
حقيقة عظمى يخبرنا بها الله فيقول :
( ما يفتح الله للناس .... )
هذه الحقيقة تعلمنا أن مفاتيح الرحمة بيد الله عزوجل ، فإن أراد الله أن يرحم عبداً بأي نوع من أنواع الرحمة فلن يمسكها عنه أحد من الخلق ، وإن أراد الله عزوجل أن يمسك هذه الرحمة عن عبد بعدل منه وحكمة فلن يرسلها له أحد من الخلق .
وحين تستقر هذه الحقيقة في القلوب فإن النفوس ستسعد وتسكن وتطمئن ، ووالله لو تيقنَّا بهذه الحقيقة لتحولنا تحولاً كاملاً في تصوراتنا ومشاعرنا واتجاهاتنا وموازيننا وأخلاقنا .
آية واحدة تغير القلوب وتملؤها بالطمأنينة والثقة، وتطرد عنها الأوهام والوساوس، وتبدل خوفها أمناً، واضطرابها ثباتاً، وجزعها رضا، وترزقها حسن الظن بالله.
قال السعدي رحمه الله في تفسير الآية :
أي ما يفتح الله للناس من رزق ، ومطر ، وصحة ، وعلم ، وغير ذلك من النعم ، فلا أحد يقدر أن يمسك هذه الرحمة ، وما يمسك منها فلا أحد يستطيع أن يرسلها من بعده سبحانه وتعالى . انتهى كلامه .
فرحمة الله إذا فتحها للعبد وجدها العبد في كل شيء ، وفي كل وضع ، وفي كل حال ، وفي كل مكان . . وجدها في نفسه ، وفي مشاعره ، وجدها فيما حوله ، وحيثما كان ، وكيفما كان ، حتى وإن فقد كل شيء مما يظن الناس أن فقده هو الحرمان .....
ويفتقدها من يمسكها الله عنه في كل شيء ، وفي كل وضع ، وفي كل حال ، وفي كل مكان ، حتى لو وجد العبد كل شيء مما يظنه الناس علامة السعادة والرضوان .
ومامن نعمة يمسك الله معها رحمته إلا وهي نقمة .
وما من محنة تحفها رحمة الله إلا وهي منحة .
فمتى فتح الله أبواب رحمته فلا ممسك لها، ومتى أمسكها فلا مرسل لها ومن ثم فلا مخافة من أحد، ولارجاء في أحد، ولامخافة من شيء، ولارجاء في شيء، ولا خوف من فوت شيء ، إنما هي مشيئة الله يفعل ما يشاء.
فإذا استقر هذا المعنى في قلب الإنسان فإنه يصمد أمام الأحداث ، ولو تضافر عليه الإنس والجن ، فهم لا يمسكون رحمة الله حين يفتحها ، ولا يرسلونها حين يمسكها ....
ومثل هذا المعنى الدعاء الوارد بعد كل صلاة :
اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ...
فماأحوجنا إلى تدبر هذه المعاني العظيمة الكفيلة بتغيير النفوس وإصلاح القلوب وتصحيح السلوك .
عائشة القرني