تهذيب غريزة حب الظهور و ( الشهرة )
تعد المظاهر عند بعض البشر هي السمة البارزة في حياتهم اليومية، حيث أصبحت ظاهرة اجتماعية تفشت وانتشرت في مجتمعنا بصورة ملحوظة، وانساقت وراءها فئة لا يستهان بها من الناس، حتى أنهم لا يستطيعون معها مجاراة الكثير من الأمور التي يريدون تحقيقها، فهي لا تقتصر على ناحية معينة في حياة الفرد بل شملت أغلب النواحي، فتعدت تحصيل الضروريات إلى الكماليات، كل ذلك من أجل محاكاة الآخرين وتقليدهم، حتى أصبحت قضية اجتماعية خطيرة؛ لذلك فقد كانت غريزة حب الظهور من الغرائز المكتسبة التي يكتسبها الفرد من المجتمع الذي يعيش فيه.
أ- اعتراف الإسلام بها: لما دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة فاتحا، كان يعلم ما عند أبى سفيان من حب للجاه والسلطان والمكانة، فأراد أن يثبت له النبي صلى الله عليه وسلم أن الإسلام لا يريد أن ينزع منه هذه المكانة، فقال - عليه السلام: من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، وفي ذلك إظهار لشرفه ومكانته عند قومه.
ب- منهج الإسلام في تهذيبه لهذه الغريزة: إن لغريزة حب الظهور أو الشهرة ارتباطا وثيقا بحب الجاه، لأن من ثمرات الجاه: المدح والإطراء، فالشهرة توصل إلى الجاه وحب المدح من الآخرين، فأغلب أفعال الناس موقوفة على ما يوافق رضى الناس رجاء لمدح، أو خوفا من ذم، فإذا شعرت النفس بكمالها وارتاحت واعتزت وتلذذت، فالمدح يشعر نفس الممدوح بكمالها.
لم يترك الإسلام هذا الأمر أيضا دون تقويم وتهذيب، فقد جاءت نصوصه مليئة بما يدعو إلى تهذيب هذه الغريزة وتقويمها، فتهذيب هذه الغريزة يكون من خلال تهذيب حب الجاه، وحب المدح، وحب الاشتهار بين الناس.
يتمثل منهج الإسلام في تهذيبه لهذه الغريزة بما يأتي:
أولا: علاج حب الجاه، ويكون بـ:
1- احتقار الحياة الدنيا الفانية والنظر إلى الآخرة الخالدة وعظيم قدرها عند الله تعالى، وذلك بأن يتفكر في الأخطار التي يستهدف لها أرباب الجاه في الدنيا، قال تعالى: (بل تؤثرون الحياة الدنيا والآخرة خير وأبقى)، وقال تعالى: (وللآخرة خير لك من الأولى)، فكل ذي جاه محسود، ومقصود بالإيذاء وخائف على الدوام على جاهه، ومحترز من أن تتغير منزلته في القلوب.
2- إسقاط الجاه من قلوب الخلق بمباشرة أفعال يلام عليها حتى يسقط من أعين الخلق، فيفارقه لذة القبول، ويأنس بالخمول، ويرد الخلق، ويقنع بالقبول من الخالق، فمن أحب الجاه والمنزلة، فهو كمن أحب المال بل هو شر منه، لأن فتنة الجاه أعظم.
ثانيا: علاج حب المدح، ويكون بـ:
1- أن لا يفرح الإنسان بعروض الدنيا، فإن فرح، فلا يفرح بمدح المادح بوجودها، لأن الخاتمة غير معلومة، فخطر الخاتمة باق، ففي الخوف من سوء الخاتمة شغل عن الفرح بكل ما في الدنيا، وإن فرحت بها، فليكن فرحك بفضل الله عليك بالعلم والتقوى، لا بمدح المادح.
2- أن يغمك مدح المادح وتكرهه وتغضب به، لأن آفة المدح على الممدوح عظيمة، فمن فرح بمدح مادح فقد مكن الشيطان من أن يدخل في بطنه، فإذا علم الإنسان أن الأرزاق والآجال بيد الله تعالى قل التفاته إلى مدح الخلق وذمهم، وسقط من قلبه حب المدح، واشتغل بما يهمه من أمر دينه.
ثالثا: علاج حب الاشتهار بين الناس، ويكون بـ:
1- أن يعلم الإنسان أن انتشار الصيت والاشتهار بين الناس مذموم، إلا من شهره الله تعالى لنشر دينه من غير تكلف في طلب الشهرة منه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا أدلكم على أهل الجنة؟ كل ضعيف مستضعف لو أقسم على الله لأبره، وأهل النار كل جواظ عتل مستكبر.
2- تقويم النفس البشرية وتزكيتها من خلال معالجة أمراض النفس والتي منها اتباع الهوى، ومن خلال معرفة الله تعالى ومعرفة صفاته وأفعاله، وينطوي في ذلك أيضا، معرفة جميع المخلوقات والموجودات المحيطة به، لأنها من أفعاله، فمعرفتها من معرفة الله تعالى، قال تعالى: (وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى)....
رد مع اقتباس
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الامل
