بسم الله الرحمن الرحيم


• إذا علمت نفس طاب عنصرها ، وشرف وجدانها أن مطمح الهمم إنما هي غاية ، وحياة وراء حياتها الطبيعية ـ لم تقف بسعيها عند حد غذاء يقوتها ، وكساء يسترها ، ومسكن تأوي إليه .
بل لا تستفيق جهدها ، ويطمئن بها قرارها إلا إذا بلغت مجدا شامخا يصعد بها إلى أن تختلط بكواكب الجوزاء .
• يقوم فسطاط الحرية على قاعدتين عظيمتين هما : المشورة ، والمساواة ؛ فبالمشورة تتميز الحقوق ، وبالمساواة ينتظم إجراؤها ، ويطرد نفوذها .
وكل واحد من هاتين القاعدتين رفع الإسلام سمكها ، وسواها .
• ما ساد الأدب ، وانتشرت الفضيلة بين أمة إلا اتبعوا شرعة الإنصاف من عند أنفسهم ، والتحفوا برداء الصدق والأمانة بمجرد بث النصيحة ، والموعظة الحسنة ، فيخفت ضجيج الضارعين ، وصخب المبطلين ، ولا تكاد لهما في أجواف المحاكم حسيسا .
• أذن الله له صلى الله عليه وسلم بالاستشارة وهو غني عنها بما يأتيه من وحي السماء ؛ تطييبا لنفوس أصحابه ، وتقريرا لسنة المشاورة للأمة من بعده .
• كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه من العلم بقوانين الشريعة ، والخبرة بوجوه السياسة في منزلة لا تطاولها سماء . ومع هذا لا يبرم حكما في حادثة إلا بعد أن تتداولها آراء جماعة من الصحابة . وإذا نقل له أحدُهم نصا صريحا ينطبق على الحادثة قال (( الحمد لله الذي جعل فينا من يحفظ عن نبينا )) .
• لا تكون قاعدة الشورى من نواصر الحرية وأعوانها إلا إذا وضع حجرها الأول على قصد الحنان والرأفة بالرعية .
وأما المشاركة في الرأي وحدها ـ ولا سيما رأي من لا يطاع ـ فلا تكفي في قطع دابر الاستبداد .
• أهم فوائد المشورة تخليص الحق من احتمالات الآراء .
وذهب الحكماء من الأدباء في تصوير هذا المغزى وتمثيله في النفوس إلى مذاهب شتى ، قال بعضهم :
إذا عنّ أمر فاستشر فيه صاحبا --- وإن كنت ذا رأي تشير على الصحب
فإني رأيت العين تجهل نفسها --- وتدرك ما قد حلّ في موضع الشهب
وقال آخر :
اقرن برأيك رأي غيرك واستشر --- فالحق لا يخفى على الاثنين
والمرء مرآة تريهِ وجهه --- ويرى قفاه بجمع مرآتين
وقال آخر :
الرأي كالليل مسودا جوانبه --- والليل لا ينجلي إلا بمصباح
فاضمم مصابيح آراء الرجال إلى --- مصباح رأيك تزدد ضوء مصباح
• من فوائد الشورى استطلاع أفكار الرجال ، ومعرفة مقاديرها ؛ فأن الرأي يمثل لك عقل صاحبه كما تمثل لك المرآة صورة شخصه إذا استقبلها .
• الحرية في الأموال هي إطلاق التصرف لأصحابها يذهبون في اكتسابها والتمتع بها على الطريق الوسط دون أن تلم بها فاجعة الاغتصاب ، أو تخطفها خائنة كيد واحتيال .
• لا حرج في جمع الدنيا من الوجوه المباحة ما لم يكن صاحبها عن الواجبات في شغل شاغل . وقد ذكر الله تعالى التجارة في معرض الحط من شأنها حيث شغلت عن طاعة في قوله تعالى (( وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما قل ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة والله خير الرازقين )) الجمعة 11 .
ولما رجعوا عن صنيعهم ، وأخذوا بأدب الشريعة في إيثار الواجبات الدينية وعدم الانقطاع عنها إلى الاشتغال بالتجارة ونحوها ـ ذكرها ؛ ولم يهضم من حقها شيئا ، فقال تعالى (( رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله )) النور 37 .
فأثبت لهؤلاء الكُمّل أنهم تجار وباعة ، ولكنهم لم يشتغلوا بضروب منافع التجارة عن فرائض الله ، وهذا قول المحققين في الآية .
مماتصفحتـــــــــ’’