لا علاوات ولا سلع مدعومة !

قبل أكثر من عام انتشر مقطع على اليوتيوب ،يُظهر شاباً يتسلل لأحد صيدليات الأدوية محاولاً سرقة حليب أطفال،يكتشفه العامل في المحل ويقوم بتوبيخه وتصويره ودفعه لأن يقر بالسرقة ،ثم يطلب منه أن يقوم بتمثيلها مرة أخرى أمام عدسة جواله ،واعداً إياه بألا يقوم بتبليغ الشرطة إن هو فعل ذلك ، يستجيب الشاب لطلب العامل مضطراً ، ويستقبل ما يواجهه من سب ولعن وشتم وتوبيخ بانكسار الضعيف وضعف المنكسر، لم يدافع الشاب عن نفسه أو يحاول إيقاف السيل الهادر من الشتائم ،بل اكتفى بترديد ما يطلبه العامل منه كما لو كان مدركاً فداحة الخطأ متوقعاً النتيجة … خُيل إلي أن ذلك الشاب قد وازن في نفسه بين أن يحتمل بكاء أطفاله و نوحهم وهم يتضورون جوعاً ويصبر على ذلك ، أو يواجه ذل السرقة والمهانة وإراقة ماء الوجه ، فاختار الثانية وما أفلح في ذلك ، فلا الاختيار صاب ولا التنفيذ نجح ، وياله من حظ !… تلك الحادثة تجعلنا نتساءل :من المسئول عن تأمين السلع الأساسية للأسر ؟ … هل أرباب الأسر وحدهم ،أم أن الدولة تدخل في ذلك ،أو على الأقل تشارك فيه ، وماذا عن الأسر التي ليس بإمكانها توفير السلع الأساسية ،إما لتفشي البطالة بين أفرادها، أو بسبب ضعف الدخل وزيادة التضخم ،أو لأن رب الأسرة غير مؤهل لأن يكون كذلك… مع أن المواطنين جميعهم يواجهون ارتفاعاً مطرداً في الأسعار بدخول ثابتة أو معدومة ،وهو ما يجعلهم غير قادرين على اللحاق بالأسعار الملتهبة ، ويضطرهم لتغيير عاداتهم الغذائية تغييراً لا علاقة له بدعوة الوزير السابق !، كما أن تلك الارتفاعات أحدثت خللاً في تركيبة المجتمع وأدت إلى أن تسحق الطبقات وتدخل في بعضها ، فالطبقات المتوسطة صُهرت في الطبقة الأدنى منها ، لدرجة أن أغلب الموظفين لا تكفي رواتبهم لسوى العشرة أيام الأولى من الشهر ، وبعد ذلك يضطرون لأن يقترضوا لما بقي من الشهر ، مما يشكل عجزاً في ميزانيات الأسر وعبئاً يتضاعف من شهر إلى شهر ،وهكذا يعيش الأفراد حياة أبعد ما تكون عن الاستقرار ،وليت وزارة التجارة قد أسهمت بدورها في حل تلك المعضلة كأن تفعِّل قانون حماية المستهلك وتراقب الأسعار ،إنما اكتفت بأن يكون دورها ورقياً و تعاميم لا تساوي الحبر الذي تكتب فيه … لا أبالغ إن قلت أن عملية دعم السلع الأساسية واستصدار بطاقات تموينية تمكن المواطنين من الحصول على بعض السلع بأسعار مدعومة لا تقل في أهميتها عن حزمة القرارات الملكية الأخيرة مجتمعة ،فمن يتصفح وجوه الناس ويستنطق شفاههم، يدرك أهمية ذلك الإجراء خصوصاً أن الأسعار لدينا لا تعرف سوى السير في اتجاه الصعود، و بعدما أفقد التضخم الأوراق النقدية قيمتها ،إذ لا شيء يؤرق الناس ويقض مضاجعهم أكثر من تأمين العيش لأسرهم ،وهو ما يجعل عملية دعم السلع الأساسية أمراً ملحاً وضرورة هامة لا بد من الإسراع في إقرارها ، فهي ليست هبة تتفضل بها الدول على مواطنيها ،ولا ميزة تُفاخر بها الشعوب بعضها ،ولا هي أحلام تختلف من فرد إلى فرد إنما هي حقوق وواجبات وإجراءات تم إقرارها في الكثير من الدول منذ أكثر من ثلاثة عقود مع أن فيها علاوات اجتماعية ومتوسط دخل مرتفع ،ففي تلك الدول بإمكان الأسرة المكونة من سبعة أفراد الحصول على احتياجاتها الأساسية بما هو أقل من ( 400 ) ريال في كل شهر، وليس ذلك حكراً على مواطني تلك الدول بل يشمل حتى العاملين على أرضها ، إلى أن وصل الناس درجة من الاكتفاء تجعلهم يتصدقون بالفائض على أقاربهم في الخارج . وأعجب ما في الأمر أن هذه القضية على أهميتها لم يفطن لها مجلس الشورى ولم يناقشها ، مع أنه ناقش كل شيء لا علاقة له بحياة الناس المباشرة على الإطلاق ،فهل هو من باب الأولويات أم هو من باب تباعد الطبقات وعمق الفجوة بين المجلس والناس ؟! …لكن الأكيد أنكم تُحبطون أشد الإحباط إن نظرتم إلى هذا المجلس نظرة الجد ! …
للكاتب /شافي الوسعان