الاعتذار له العديد من المعاني، منها العذر وهو محاولة الإنسان إصلاح ما أنكره عليه الآخرون، بأن يظهر الندم ويتحرى ما يمحو ذنبه، وعرفه الجرجاني في التعريفات بمحو أثر الذنب، وعرفه الكفوي في الكليات بإظهار ندم على ذنب تقر بأن في إتيانه لك عذرا، وقد سوى بعض العلماء بين العذر والاعتذار فجعلهما بمعنى واحد كالراغب الأصفهاني في المفردات والفيروزبادي في البصائر، كما فرق بعض العلماء بينهما ورأى أن لكل منهما معنى آخر كالإمام الجرجاني في التعريفات، وقد ورد ذكر الاعتذار في القرآن الكريم في مواضع عدة، منها قوله تعالى «هذا يوم لا ينطقون ولا يؤذن لهم فيعتذرون» المرسلات آية 35، 36، وقال تعالى «وإذ قالت أمة منهم لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا قالوا معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون» الأعراف آية 164، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث أنس «إياك وكل ما يعتذر منه».
والاعتذار من الآخرين عند الخطأ أمر محمود ومطلوب وينبئ عن شجاعة وإقدام لدى الإنسان، على أن فئة من الناس في مجتمعنا تظن أن الاعتذار أمر معيب ومخجل لا يتجاسرون عليه بل تأخذهم العزة والمكابرة فلا يعتذرون، ظنا أن ذلك ينقص من قدرهم أو مكانتهم ويدني من شخصياتهم ويقلل من احترامهم لدى الآخرين وهذا خطأ كبير للأسف، فالاعتذار من شيم الكرام وفضائلهم وهو يجلي النفوس وينقيها مما يعلق بها من الغضب أو الحقد أو الضغينة وله العديد من الثمار اليانعة والفوائد الجليلة، منها أنه اعتذار إلى الله تعالى ابتداء ثم اعتذار إلى العبد المستحق له، وهو يورث التواضع ويفضي للتسامح ويصفي القلوب ويؤدي للأجر والثواب.
قال الإمام ابن حبان رحمه الله في روضة العقلاء «الاعتذار يذهب الهموم ويجلي الأحزان ويدفع الحقد ويذهب الصد، فلو لم يكن في اعتذار المرء إلى أخيه خصلة تحمد إلا نفي العجب عن النفس في الحال لكان الواجب على العاقل أن لا يفارقه الاعتذار عند كل زلة».
خاتمة
قال الشاعر :
إذا اعتذر الجاني محا العذر ذنبه *** وكان الذي لا يقبل العذر جانيا.

خالد بن علي القرني
* أكاديمي سعودي
نقلآ عن جريدة عكاظ