رمضان في القرية
من اسعده حظه بالعيش في قرية وادعة من ربوع وطننا الكبير وخصوصا في ثمانينيات القرن الهجري الماضي سيجد ان ماعاشه ممارسة وسلوك حياة رمضانية صفحات تختزنها الذاكرة بالبهجة والتحسرعلى اختفاء بعض تلك الملامح الانسانية التي تشد اواصر المجتمع القروي المتكافل في ود وطمأنينة!
ولانني عشت تلك الايام صغيرا وفتى فقد نقش في ذاكرتي دخول رمضان عبرالمذياع فلم تكن هناك وسيلة غيره وليس كل اسرة تمتلك ذلك المذياع فيتناقل الجيران الخبر ويتسابق الاطفال في اعلان ذلك
ولان القرية لا تعرف الكهرباء ويعتمد المؤذنون على اصواتهم دون مكبرات كان مجاور وكل مسجد من الرجال والاطفال يتناولون الافطار الذي تعده الاسر امام تلك المساجد عند اذان المغرب ويشاركهم كل عابر سبيل
وكانت الاسر تستعد لشهر الصوم بشراء جرار الماء الجديدة المصنوعة محليا من الفخار لتبريد الماء وتحرص كل اسرة ميسورة على اقتناء بقرة اوشاة حديثة الولادة وذلك للاستفادة من حليبها في وجبتي السحور والفطور وتتبادل الاسر لبن الرايب
كما ان الزيارات تكثر في ليل رمضان بين الاسر والعائلات
ومن تلك الذكريات ان الرجال والاولاد القادرين على العمل لا يثنيهم الصوم عن ممارسة اعمالهم طيلة شهر رمضان الكريم في الحراثة والحصاد والرعي
وكنا كتلاميذ نذهب لمدارسنا مبكرين ولا نعود الا بعد صلاة الظهر وليس كما هو الان وقد يكون من اسباب ذلك ان الجميع ينامون بعد االعشاء وصلاة التراويح ويتم ايقاظ افراد الاسرة لتناول السحور ومن ثم اداء صلاة الفجر ولم نكن أنذاك نعرف ماتزخر به مائدة الفطور هذه الايام بل لايوجد الا التمر والماء وما تعده الام والاخوات من خبز الذرة والدخن والدقيق (البر)فيما ندر
يخبز في التنور(الميفى) ويقدم ناشفا او مفتوتا في اللبن الرايب او الحليب!
ولان البيوت هي من القش في معظمها فيكفي ان ترش ارضيتها بقليل من الماء في النهار لتكون مع نسائم الهواء خير مكان للراحة والنوم في ظهيرة رمضان
لقد كانت القرية باهلها في رمضان الكريم وغيره من الشهور يلفها الامان وينعم اهلها بالسكينة ونكران الذات ويتقاسم الجيران حتى الملح وقبس من النار
ويا زمان الطيبين وينك
ذكريات رمضانية كتبها غازي احمد الفقيه