بسم الله الرحمن الرحيم


الاخوة الفضلاء أعضاء المنتدى وزواره الكرام
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :
إن المنطقة التي تقع بين الحرمين الشريفين كانت أسعد بقعة على وجه الأرض حين كان رسول الهدى صلى الله عليه وسلم يتنقل في جنباتها يطأ سهولها وجبالها
ويقطع أوديتها ويمر من خلال ثناياها وفجاجها ، مكبرا كلما علا مشرفا ومسبحا كلما هبط واديا .
لقد كانت تلك الربى والتلال سعيدة بإمام الهدى حين صال وجال فيما بينها .

تاريخ طويل ومجد عريق تحتضنه تلك البقاع بين جنباتها .. كيف لا وطريق الهجرة يخترقها .

ذلك التاريخ الطويل جعلني أعقد العزم على أن أقضي إجازة مابعد عيد الفطر من هذا العام 1430هـ في تلك البقاع العطرة .

وقد سعدت كثيرا حين صحبني في رحلتي رجلان فاضلان كان لهما فضل كبير علي بعد الله تعالى وذلك بما استفدته منهما من علم جم وأدب كبير وهما الأستاذان الكريمان : صالح الغفيلي وإبراهيم الزعاقي ( أبو صالح )

زرنا خلال هذه الرحلة عددا كبيرا من المعالم الجغرافية التاريخة كجبل ورقان وجبل ادقس ودارة خلص وجبل الهضبة ووادي مر ووادي خضرة ووادي حجر ورابغ والأبواء وغيرها .

ولكنني في هذا الموضوع سأسلط الضوء على بعض هذه المعالم لكونها مناطق شبه مجهولة لدى الكثير ولما يحيط بها ويتخللها من الروعة والجمال .

سيكون الحديث بإذن الله تعالى مقتصرا على وادي مَرّ ووادي خضرة وجبل آرة الذي يشرف عليهما من جهة الشمال .


صورة فضائية تبين موقع الحرمين والمعالم التي سنتحدث عنها بينهما


فضائية مقربة لهذه المواقع


وهذه خارطة يظهر فيها طريق الهجرة بين مكة والمدينة كما تظهر مدينة رابغ والمواقع المقصودة بالتقرير داخل الدائرة الحمراء

أولاً :

جبل آره

2312809
3940294

ويسمى : ( جبل الهضبة ) أو ( هضبة أم العيال )

هذا الجبل الذي يسمى الهضبة هو جبل أحمر عملاق يرى من بعيد ، ويشكل دائرة لا يمكن الدخول إليها إلا من مدخل واحد ضيق لا يتسع إلا لسيارة واحدة
وفي داخل الجبل ساحة جميلة مليئة بأشجار السمر وينحدر منها وادي يخرج مع هذا المضيق ويسمى ( وادي السّدّة ) وإذا خرج من وسط الجبل التقى بوادي البعيث الذي يصب في وادي الفرع .

يشرف هذا الجبل العالي والذي كان يسمى قديما ( جبل آرة ) على وادي البعيث ووادي الأسلة ووادي مَرّ ووادي خضرة ووادي حجر ويرى من أماكن بعيدة من جميع الاتجاهات .

يقول عاتق البلادي :

( آرة :- بعد الألف راء مهملة مفتوحة وهاء - جبل شاهق يضرب إلى الحمرة، يقع على الطرف الجنوبي من وادي الفرع،
يظلل عين أم العيال من الشرق، تراه من مسافات بعيدة، وهو واقع في ديار البلادية من بني عمرو من حرب، فيه معاسل ومياه، وأشجار النبع والشوحط واليسر،
يبعد (170) كيلاً جنوب المدينة و (65) كيلاً شرق السقيا. يعرف اليوم باسم هضبة أم العيال، تراه من رابغ شمالاً شرقياً دونه العسام ) اهـ

صور جبل آرة من الخارج


بانوراما لجبل آره ( الهضبة ) ويظهر فيها وادي البعيث


جبل آره وتظهر حرة الحزيم التي تخترقها الأودية العميقة .

هذه صور لجبل آره من الداخل



الجهة الشمالية تقريبا وقد ذكرتني قمة الجبل بقبة الصخرة



صخور عمودية عملاقة كتلك التي تسمى الأصابع في بعض الأماكن .

ومن المحزن حقاً أن هذا الجبل الجميل الذي يعد معلما سياحياً مهما في المنطقة قد تم وضع حاجز حديدي من قبل سكان القرية الواقعة في مدخله يمنع من الدخول إليه وأعتقد أنه تصرف شخصي لا يرجع إلى أي جهة رسمية

وأنا أطالب بمنع مثل هذه التصرفات التي نراها كثيرا في عدد من الأماكن السياحية بطبيعتها . إذ يعمد السكان القريبون إلى التحكم بها وإغلاقها بلا مبرر .

ويجب أن يكون هناك مرجعية لمثل هذه التجاوزات التي كثيرا ماتكون عائقا أمامنا من الوصول إلى معالمنا الجميلة .

ثانياً :

وادي مَــرْ

( بفتح الميم وتشديد الراء )

2308969
3941899

وادي عظيم يقع بين الحرمين الشريفين ويصب في البحر الأحمر عند مدينة رابغ وأسفله يسمى وادي رابغ

يمكن أن نسمي هذا الوادي بالثعبان .

وذلك لكثرة تعراجاته والتواءاته يمينا وشمالاً .

يتميز هذا الوادي بعمقه السحيق إذ يصل ارتفاع جوانبه إلى مئة وعشرين مترا أو أكثر

وتكثر به المخاضات التي تبقى فيها مياه السيول طوال العام ولهذا فهي مليئة بالأسماك وتكثر حولها طيور الماء .

هذا الوادي من الأودية التي احتفظت بمسماها القديم

قال ياقوت :
مَـر : وأنشد من قصيدة لأبي المهاجر زهير بن سليم الحمالي :

ورد على حرب سبايا نسائهم == بوقط وقد شاعت عليها سهامها
وألفاً تركناهــا بمر مقيمة == وطيء فهلكى بالقرورات هامها

وقال ياقوت عند حديثه عن حميمة الشام :

والحميمة أيضا قرية ببطن مر من نواحي مكة بين سروعة والبريراء فيها عين ونخل
وفيها يقول محمد بن إبراهيم بن قربة العثري شاعر عصري أنشدني أبو الربيع سليمان بن عبد الله المكي المعروف بابن الريحاني بمصر
قال أنشدني محمد بن قربة لنفسه :

مرتعي من بلاد نخلة في الصيف == بأكناف سولة والزيمه
وإذا ما نجعت وادي مر == لربيع وردت ماء الحميمه
رب ليل سريت يمطرنا الماورد والند فيه يعقد غيمه
بين شم الأنوف زرت عليهم جالبات السرور أطناب خيمه

جَاءَ ذكر وادي مر فِي قَوْلِ رَزَاحٍ الْعُذْرِيِّ أَخِي قُصَيٍّ لِأُمِّهِ :

مَرَرْنَ عَلَى الْحِلِّ مَا ذُقْنَهُ

وَعَالَجْنَ مِنْ مَرِّ لَيْلًا طَوِيلًا

ويوجد في الحجاز واديان بهذا الاسم

فالأول وادي مر الظهران وهو المسمى حاليا ( وادي فاطمة )

والثاني وادي مر الذي نتحدث عنه ويسمى قديما مَرُّ عُنَيْبٍ

وفي أحدهما يقول الكميت في نونيته :

ونحن الرافدون غداة مَرّ == خزيمة بالذي لا ينكرونا
تباشر إذ رآنا أهل مر == فكذبنا منى المتباشرينـا

يعتبر وادي مر من الأودية المدمرة إذا ماسال وقد حدث ذلك في عام 1388 هـ حين دمر مدينة رابغ ،
ولهذا السبب يتم الآن إنشاء سد عملاق في هذا الوادي ليؤمن الحماية من أخطار السيول الجارفة لمدينة رابغ والقرى القريبة .

يقول عاتق بن غيث البلادي :

( مَرّ : وادٍ من أودية الحجاز العظيمة ذو روافد متعددة كبار ، يأخذ أعلى مساقط مياهه من حرة بني عبدالله وهي امتداد الحرة ،
حرة بني سليم في الشمال حيث يتقاسم بعض فروعه الماء مع وادي الفُرُع في حرة بني عمرو ،
وهي تتصل بحرة بني عبدالله من الشمال وتمتد إلى حرار النقيع التي تمتد إلى المدينة ، فينحدر وادي مر غرباً بشكل شبه مستقيم ،
ولذا تقل فيه الربا الصالحة للزراعة ، وظلت عيونه قليلة بخلاف الأودية القريبة منه مثل وادي الفرع ووادي الصفراء ، وقديد ،
ثم يدفع مر في البحر عند بلدة رابغ ، وكثيراً ما يحدث خراباً ودماراً كما حدث لرابغ سنة 1388هـ ،
ومن روافده الكبار : خَضِرة ، حَجْر ، وهما واديان كبيران زراعيان ) اهـ .

موقع السد :

2249184
3922570

صور من وادي مر :



وادي مر ويظهر خلفه جبل الهضبة ( آرة قديماً )


نلاحظ عمق الوادي الكبير وكثرة تعرجاته


غار كبير يقع في إحدى المخاضات التي يبقى الماء فيها طوال العام تقريبا .


لا يمكن الوصول للغار بسبب الماء ولهذا اتخذته الطيور الجارحة مأوى لها .





خرجنا من هذه النقطة في الوادي واتجها إلى أخرى وهذه بعض الصور


لا يمكن الدخول للوادي ولا الخروج منه إلا من خلال أماكن معينة وعقبات ترابية وعرة جداً



يتبع إن شاء الله تعالى .