ايها الاخوة الكرام، إِلاَّ أَنَّ ثَمَّةَ أَمرًا ذَا أَهَمِّيَّةٍ بَالِغَةٍ وَمَكَانَةٍ عَالِيَةٍ، غفَلُ عَنهُ كَثِيرًا إِلاَّ مَن رَحِمَ اللهُ، مَعَ أَنَّهُ عِمَادُ العَمَلِ وَأَسَاسُهُ وَأَصلُهُ، ذَلِكُم هُوَ إِصلاحُ القُلُوبِ وَتَنقِيَتُهَا، وَتَزكِيَةُ النُّفُوسِ وَتَطهِيرُهَا، فَإِنَّ مِنَ النَّاسِ مَن يَجتَهِدُ وَيَبذُلُ مَا في وُسِعِهِ، وَيَحرِصُ عَلَى اغتِنَامِ الأَوقَاتِ في الصَّالِحَاتِ، ثم لا يُؤتِي جُهدُهُ الثَّمَرَةَ المَرجُوَّةَ مِنهُ، وَلا يَصِلُ بِهِ إِلى هَدَفِهِ الَّذِي أَرَادَهُ، وَلا يُبَلِّغُهُ مُبتَغَاهُ الَّذِي سَعَى إِلَيهِ، وَحَاشَا للهِ أَن يَرُدَّ عَبدًا أَقبَلَ عَلَيهِ أَو يُبعِدَ مُتَقَرِّبًا إِلَيهِ، كَيفَ وَهُوَ القَائِلُ سُبحَانَهُ في كِتَابِهِ العَزِيزِ: فَاذكُرُوني أَذكُرْكُم، وَالقَائِلُ في الحَدِيثِ القُدسِيِّ المُتَّفَقِ عَلَيهِ: ((أَنَا عِندَ ظَنِّ عِبدِي بي، وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَني، فَإِنْ ذَكَرَني في نَفسِهِ ذَكَرتُهُ في نَفسِي، وَإِنْ ذَكَرَني في مَلأٍ ذَكَرتُهُ في مَلأٍ خَيرٍ مِنهُم، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِليَّ بِشِبرٍ تَقَرَّبتُ إِلَيهِ ذِرَاعًا، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِليَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبتُ إِلَيهِ بَاعًا، وَإِنْ أَتَاني يَمشِي أَتَيتُهُ هَروَلَةً)).
لَكِنَّ الوَاقِعَ الحَيَّ وَالحَالَ المُشَاهَدَةَ تَدَلُّ عَلَى نَوعٍ مِنَ الخَلَلِ، إِذ تَجِدُ ذَلِكَ العَامِلَ المُتَزَوِّدَ مِنَ الطَّاعَاتِ في فَاضِلِ الأَوقَاتِ يَقَعُ بَعدَ ذَلِكَ في كَثِيرٍ مِنَ المَعَاصِي وَالمُخَالَفَاتِ، وَلا يَتَوَرَّعُ عَنِ الوُلُوغِ في عَدَدٍ مِنَ الرَّزَايَا وَالمُوبِقَاتِ، وَتَمضِي عَلَيهِ السَّنَوَاتُ تِلوَ السَّنَوَاتِ وَهُوَ مُصِرٌّ عَلَى كَثِيرٍ مِنَ الصَّغَائِرِ مُتَهَاوِنٌ بِبَعضِ الكَبَائِرِ، وَكَفَى بِكُلِّ هَذَا نَقصًا وخُذلانًا وَعَدَمَ تَوفِيقٍ.
وَلَو أَخَذنَا الصَّلاةَ مَثَلاً وَتَأَمَّلنَا قَولَ اللهِ تَعَالى فِيهَا: إِنَّ الصَّلاةَ تَنهَى عَنِ الفَحشَاءِ وَالمُنكَرِ وَالبَغيِثُمَّ نَظَرنَا إِلى ذَلِكَ المُصَلِّي بَعدَ خُرُوجِهِ مِن مَسجِدِهِ، لَوَجَدنَاهُ لا يَنتَهِي عَن مُنكَرٍ وَلا يَسلَمُ مِنِ اقتِرَافِ فَحشَاءَ، وَلأَلفَينَاهُ لا يَردَعُ

نَفسَهُ عَن بَغيٍ وَلا ظُلمٍ وَلا اعتِدَاءٍ، نَجِدُ مِنهُ أَكلَ أَموَالِ النَّاسِ بِالبَاطِلِ، وَنَرَى

مِن أَخلاقِهِ هَضمَهُم وَبَخسَ حُقُوقِهِم، وَنَلمَسُ مِنهُ الكَذِبَ وَكِتمَانَ العَيبِ في

بَيعِهِ وَشِرَائِهِ، وَخِيَانَةَ أَمَانَتِهِ وَالفُجُورَ في مُخَاصَمَتِهِ، وَالغِشَّ وَالتَّدلِيسَ وَالخِدَاعَ

في مُعَامَلاتِهِ، فَضلاً عَن أَكلِ الرِّبَا وَالتَّهَاوُنِ بِالمُشتَبهَاتِ وَتَنَاوُلِ المُحَرَّمَاتِ،

وَالنَّظَرِ إِلى مَا لا يَحِلُّ وَاستِمَاعِ مَا يَحرَمُ، إِلى غَيرِ ذَلِكَ مِن أَنوَاعِ المَعَاصِي مِنَ

غِيبَةٍ وَنَمِيمَةٍ وَسُخرِيَةٍ وَاستِهزَاءٍ، وَقَطِيعَةِ أَرحَامٍ وَهَجرِ إِخوَانٍ، فَأَينَ أَثَرُ

الصَّلاةِ؟! وَمَا السِّرُّ في هَذَا التَّنَاقُضِ؟! إِنَّهُ القَلبُ، نَعَم أَيُّهَا الاخوة، إِنَّهُ القَلبُ،

المُحَرِّكُ الحُقِيقِيُّ لِلجَوَارِحِ، وَالمُوَلِّدُ الفِعلِيُّ لِكُلِّ التَّصَرُّفَاتِ، الَّذِي إِذَا صَلَحَ

صَلَحَتِ الأَعمَالُ كُلُّهَا وَاستَقَامَتِ الجَوَارِحُ، وَإِذَا اختَلَّ وَفَسَدَ فَمَا بَعدَهُ تَبَعٌ لَهُ

في فَسَادِهِ،حيث قَالَ صلى الله علية وسلم: ((أَلا وَإِنَّ في الجَسَدِ مُضغَةً، إِذَا

صَلَحَت صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَت فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ، أَلا وَهِيَ القَلبُ))

مُتَّفَقٌ عَلَيهِ. وَإِنَّ صَلاحَ القُلُوبِ وَتَزكِيَةَ النُّفُوسِ مَطلَبٌ جَلِيلٌ وَوَاجِبٌ كَبِيرٌ،

غَفَلَ عَنهُ كَثِيرٌ مِنَ االناس الا من رحم الله، مَعَ أَنَّهُ المَحَكُّ وَعَلَيهِ مَدَارُ العَمَلِ

صِحَّةً وَفَسَادًا، وَإِنَّهُ لَجَهلٌ ذَرِيعٌ وَخَطَأٌ شَنِيعٌ وَسُوءُ فَهمٍ وَقِلَّةُ فِقهٍ أَن يُهمِلَ

العَبدُ قَلبَهُ وَهُوَ مَوضِعُ نَظَرِ رَبِّهِ، ثُمَّ يُركِّزَ جُهدَهُ عَلَى أَعمَالِ الجَوَارِحِ الظَّاهِرَةِ

الَّتي لا يَنظُرُ الرَّبُّ تَعَالى إِلَيهَا وَالقَلبُ خَاوٍ فَاسِدٌ خَرِبٌ، قَالَ عَلَيهِ الصَّلاةُ

وَالسَّلامُ: ((إِنَّ اللهَ لا يَنظُرُ إِلى صُوَرِكُم وَلا أَموَالِكُم، وَلَكِنْ يَنظُرُ إِلى قُلُوبِكُم وَأَعمَالِكُم)
وللحديث بقة ولكم خالص الدعاء بالسعادة في الدنيا والاخرة