أَيُّهَا الاخوة الكرام إِنَّ مِن أَشَدِّ الذُّنُوبِ انتِشَارًا في مُجتَمَعِنَا اليَومَ ممَّا يَحُولُ بَينَ العِبَادِ وَبَينَ رَحمَةِ رَبِّهِم وَتَوفِيقِهِ وَقَبُولِ أَعمَالِهِم قَطِيعَةَ الأَرحَامِ وَصَرمَ الأَقَارِبِ وَهَجرَ الإِخوَانِ، تِلكَ الآفَةُ الَّتي أَصَمَّتِ الآذَانَ وَأَعمَتِ الأَبصَارَ وَأَقفَلَتِ القُلُوبَ، وَأَفسَدَتِ الأَرضَ بَعدَ إِصلاحِهَا وَخَرَّبَتِ الدِّيَارَ، قَالَ سُبحَانَهُ: فَهَل عَسَيتُم إِن تَولَّيتُم أَن تُفسِدُوا في الأَرضِ وَتُقَطِّعُوا أَرحَامَكُم أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ فَأَصَمَّهُم وَأَعمَى أَبصَارَهُم أَفلا يَتَدَبَّرُونَ القُرآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقفَالُهَا، وَفي المُتَّفَقِ عَلَيهِ قَالَ اللهُ تَعَالى لِلرَّحِمِ: ((أَمَا تَرضَينَ أَن أَصِلَ مَن وَصَلَكِ وَأَقطَعَ مَن قَطَعَكِ؟)) وَقَالَ صلى الله علية وسلم فِيمَا رَوَاهُ مُسلِمٌ وَغَيرُهُ: ((تُفتَحُ أَبوَابُ الجَنَّةِ يَومَ الاثنَينِ وَيَومَ الخَمِيسِ، فَيُغفَرُ فِيهَا لِكُلِّ عَبدٍ لا يُشرِكُ بِاللهِ شَيئًا، إِلاَّ رَجُلاً كَانَت بَينَهُ وَبَينَ أَخِيهِ شَحنَاءُ، فَيُقَالُ: أَنظِرُوا هَذَينِ حَتى يَصطَلِحَا))، وَقَالَ صلى الله علية وسلم في المُتَّفَقِ عَلَيهِ: ((لا يَدخُلُ الجَنَّةَ قَاطِعٌ)) أَيْ: قَاطِعُ رَحِمٍ.
فَيَا مَعشَرَاالاحبة، اِتَّقُوا اللهَ في أَنفُسِكُم وَإِخوَانِكُم، فَإِنَّ مِنَ الخَسَارَةِ وَالغَبنِ أَن يَظَلَّ المَرءُ سَنَوَاتٍ يَعمَلُ وَيَجتَهِدُ، ثُمَّ لا يُرفَعَ لَهُ عَمَلٌ وَلا تُقبَلَ لَهُ حَسَنَةٌ، وَالسَّبَبُ أَنَّهُ عَقَّ أُمَّهُ أَو أَبَاهُ، أَو قَطَعَ أُختَهُ أَو أَخَاهُ، أَو هَجَرَ قَرِيبًا لَهُ أَو جَارًا، أَو صَرَمَ زَمِيلاً أَو صَدِيقًا، قَالَ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: ((لا يَحِلُّ لِمُسلِمٍ أَن يَهجُرَ أَخَاهُ فَوقَ ثَلاثِ لَيَالٍ، يَلتَقِيَانِ فَيُعرِضُ هَذَا وَيُعرِضُ هَذَا، وَخَيرُهُمَا الَّذِي يَبدَأُ بِالسَّلامِ)) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
أَصلِحُوا قُلُوبَكُم وَزَكُّوا أَنفُسَكُم وَتَرَفَّعُوا عَنِ الغَضَبِ لِغَيرِ رَبِّكُم، فَوَاللهِ لا تُسَاوِي الدُّنيَا عِندَ اللهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ، فَكَيفَ لِمُسلِمٍ يَحذَرُ الآخِرَةَ وَيَرجُو رَحمَةَ رَبِّهِ أَن يَجعَلَهَا رَأسَ مَالٍ فَيَتَمَسَّكَ بها، أَو يَتَّخِذَهَا غَايَةً فَيُحِبَّ لأَجلِهَا وَيُبغِضَ لأَجلِهَا، وَيُعطِيَ لأَجلِهَا وَيَمنَعَ لأَجلِهَا؟! إِنَّ قَلبًا يَرضَى إِنْ أُعطِيَ مِن مَتَاعِ الدُّنيَا وَيَسخَطُ إِنْ مُنِعَ حُطَامَهَا إِنَّهُ لَقَلبٌ خَرِبٌ مَدخُولٌ مَخذُولٌ، وَإِنَّ هَذِهِ الأَيام تَأتي لِيَستَعِيدَ كُلُّ امرِئٍ فِكرَتهُ وَيُفِيقَ مِن سَكرَتِهِ، فَيَتَزَوَّد مِنَ الإِيمَانِ وَالتَّقوَى، وَيَطوِي كُلَّ مَا فَاتَ وَمَضَى، وَيَفتَح مَعَ رَبِّهِ ثُمَّ مَعَ إِخوَانِهِ صَفحَةً جَدِيدَةً، مِدَادُهَا نُورُ الإِيمَانِ وَالرِّضَا وَاليَقِينِ، وَاحتِسَابُ الأَجرِ وَإِيثَارُ مَا عِندَ رَبِّ العَالَمِينَ، وَالزُّهدُ في الدُّنيَا الفَانِيَةِ وَالطَّمَعُ في الآخِرَةِ البَاقِيَةِ، فَمَن عَفَا وَأَصلَحَ فَأَجرُهُ عَلَى اللهُ، ((وَمَن تَرَكَ شَيئًا للهِ عَوَّضَهُ اللهُ خَيرًا مِنهُ))، قَالَ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: ((مَن أُعطِيَ حَظَّهُ مِنَ الرِّفقِ فَقَد أُعطِيَ حَظَّهُ مِن خَيرِ الدُّنيَا وَالآخِرَةِ، وَصِلَةُ الرَّحِمِ وَحُسنُ الجِوَارِ أَو حُسنُ الخُلُقِ يَعمُرَانِ الدِّيَارَ وَيَزِيدَانِ في الأَعمَارِ)) رَوَاهُ أَحمَدُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ.اللهم طهر قلوبنا من الحقد ولغل والحسد ومن شر الفواحش ماظهر منها وما بطن اللهم امين يارب العالمين