ذات يوم جاءني أحد طلابي ، وقد علت محياه ملامح التذمر والتشنج ، وأصبح يتعرق ويريد الانتقام ، وعندما أجلسته لمعرفة مايدور في خلده ، بادرني بأنه يقع في مشكلة كبيرة ، يتوقع أنها ستنهي حياته تقريبا ، وعندما رآني أشاطره تعبه وخوفه ، قال : الطلاب عرفوا اسم أمي ، وهي دكتورة تعمل في العيادة ، وأنا في الفصل يقولون لي يا ولد ....
وبالتالي أريد نقلي من المدرسة كليا ، لأنهم ضدي ، هدأت من خوفه وبدأت في إدارة حلقة من النقاش معه :
والدتك تقدم خدمة يجب أن تعتز بها ، هي تخدم هذا الوطن ، تقدم المساعدة للناس ، وتداوي الجراح للمرضى ، وبالتالي لماذا لا تعتز بعملها ، وترد على كل شخص يذكر اسمها أنك فخور بها .
وبحمد الله تجاوز هذا الوهم الذي يعيشه والضغط الذي يعانيه ، دون قناعة تامة .
ومن الغريب أن أحد طلابي عندما سألته ، لماذا مسحت الأسماء من دفتر العائلة ، أجاب : والدي من قال لي ذلك ، على أن والده صاحب فكر وثقافة ، فقمت بمراسلة والده لأبين له الدور الذي يجب أن يزرعه في أبنائه ، ليأتي ابنه في اليوم التالي معتذرا .
لعل الملاحظ أن هذه المواقف لأشخاص يملكون رصيدا من الثقافة ، وأبناؤهم يمثلونهم في هذا الجانب ، فهل نحن نخشى الضاغط الاجتماعي الذي يتوارث معنا ويعززه التأصيل من الأسر ؟



تزرع العادات والتقاليد ، والتنشئة التي تصبح لدى الأشخاص منهجا لايمكن تغييره إلا بتغيير الصورة أو إحلال البديل المقنع ، والمجتمع القبلي لديه كثيرا من العادات التي تتوافق ولله الحمد مع نهجنا الحميد ، وبعضها يشكل عبئا ثقيلا على أرواح أبنائها ، تشكل هذه العادات ضغطا اجتماعيا مهولا على الأطفال في سني أعمارهم ، مع التحولات التي يعيشها مجتمعنا نحو الانفتاح على الآخر .
و السؤال الذي يشكل أنموذجا للضاغط الاجتماعي ( وش اسم أمك ) ؟ حيث أصبح بوابة قد تستخدم كأذى نفسي على الأطفال ، سواء من ردة فعله وتحوله للأذى الجسدى ، أو يتحول في بعض صوره للأخلاقيات وانتهاكها .
وقد تطرق مسلسل ( طاش ما طاش ) لهذه القضية قبل سنوات بعنوان ( ولد منيرة ) ، وكيف شكل هذا الضاغط تحولا في حياة الشخص .
ولكن هل هناك ما يتعارض مع ديننا حول نطق هذه الأسماء ؟
من خلال عملي في المرحلة السنية المبكرة ، وعندما يتم جمع البيانات عن الطلاب ، وخاصة عندما يطلب منه ( دفتر العائلة ) يأتي به وقد لون بشكل مختلف ، طامسا كل اسم أنثى بدءا من والدته ومرورا بأخواته ، ولا أعلم لو طلب منه اسم ( خادمتهم ) هل سيقبل أم أنه سيقول ( عيب )
وعندما تطرح السؤال عليهم ( مالذي يجعلك تطمس اسم والدتك أو أختك ) ؟
فقط الإجابة ( عيب ) ولا يستطيع أن يقدم إجابة أخرى مقنعة ، وهذا يدل أن الثقافة متوارثة فقط بتحديد الكلمات دون تقديم مبررات .
وبالتالي تبادره بالسؤال التالي : هل ترى والدك عندما يطلب منه تقديم صورة من دفتر العائلة يقوم بمثل ما قمت به ؟ تكون إجابته ( لا ) .
أشعر حينها أن هذا الطفل يعيش ضغطا من عيون الطلاب حوله ، ويتوقع أن الجميع عندما يعرف اسم والدته سيكون نهايته الحتمية .
من يتحمل هذه المسؤولية ؟ المجتمع بوعيه ومتغيراته الثقافية ؟ أم الوسط التربوي الذي يقوم بنشر أسماء كثيرة مستعارة وحقيقية ، وقد لا يتطرق لهذا الأمر ؟
منقوووووول